إن طبيعة النهضة الاقتصادية، وما يصاحبها عادةً من معاناة جهود التنمية، وما يترتب على ذلك من شدة أزماتها المالية والإدارية، وفتنة انفتاحها وانتعاشها: لا تتناسب مع طبيعة الإناث النفسية والعاطفية والفسيولوجية، ومن جهة أخرى لا تتناسب مع طبيعة الدور الاجتماعي المنوط بهن في خدمة النوع ورعاية النسل، مما يؤثر بصورة سلبية على كمال ولائهن للعمل، حين يأتي العمل في مرتبة متأخرة من سلم أولوياتهن الاجتماعية، ويؤثر أيضاً بصورة ربما أكثر سلبية على كفاءتهن في أداء العمل من جهة : إتقان مهارات المهنة، وحجم الإنتاج، والانتظام اليومي؛ فإن تفوقهن العام في أداء العمل ينحط كثيراً – في الجملة - عن مستوى أداء الرجال، ويؤثر بالتالي بصورة سلبية على الإنتاج القومي العام، مما ترتب عليه حصر وظائفهن، وتجميد مراتبهن، وانخفاض أجورهن، والزهد في تشغيلهن؛ بحيث أصبحن في بعض المجتمعات آخر من يتوظف من المتقدمين، وأول من يُفصل من العاملين، وما توسُّع أرباب الأعمال في هذا العصر في تشغيلهن إلا من جهة انخفاض أجورهن، وما أُدخلن سوق العمل في أوروبا إلا في أثناء الحربين العالميتين، حين احتاجت أوروبا إليهن؛ ليقمن بالأعمال العامة نيابةً عن الرجال المحاربين، فهن يعملن باعتبارهن احتياطي سوق العمل؛ بل حتى الأسرة الحديثة حين تسمح للمرأة بالعمل لا يأتي ذلك من جهة القناعة بحقها في العمل، وإنما من جهة كون عملها يساعد على نفقات الأسرة.
وأما الدور القيادي في العمل الاقتصادي التنموي، فهو آخر مرامي نساء العالم المتحررات، وأعظم آمالهن، إلا أنه مع ذلك أعزُّ أمانيهن عن التحقيق، وأبعد أهدافهن عن الوصول، فرغم المناداة العالمية بتمكين النساء من مراكز اتخاذ القرار؛ فإن تمثيلهن العالمي في القيادات الاقتصادية والإدارية والإشرافية والنقابية أقل من أن يُذكر، رغم أنهن قد يكنَّ في بعض مواقع العمل أغلبية ساحقة، إلا أن المراكز القيادية أبعد من أن تنالها أنثى، خاصة في الدول الصناعية المتقدمة، إلا في أضيق الحدود، ويكفي في هذا أن نسبة حضورهن حتى عام 1995م في قيادة إدارات الشركات الأمريكية لا تزيد عن (1%) فقط، وفي باقي العالم لا تتعدى نسبتهن (2%) على أقصى تقدير.
ولعل تخلُّفهن عن القيادات العلمية التخصصية، وإخفاقهن الفكري في ميدان التأليف الاقتصادي والتنموي، حتى إنه لم تُسجَّل جائزة نوبل في الاقتصاد لأي امرأة حتى عام 1993م ، إلى جانب ضعف مشاركاتهن في النشاط التجاري الحر : كل ذلك أضعف – في مجموعه – من مكانتهن الاجتماعية ، وبالتالي أعاق تأهيلهن للقيادة التنموية الاقتصادية ، كما أن إحجامهن الاختياري عن خوض الميدان الاقتصادي ، وأنفة الرجال من الإذعان للقيادة النسائية ، وإحجام المجتمع عن ترشيح المرأة، وطبيعة الأنثى السلبية أمام طبيعة الذكر الإيجابية ، وشعورهن العام بعدم الكفاءة ، وربما التشاؤم أحياناً من تولي المرأة للقيادة ، كل ذلك أدَّى إلى بعدهن شبه التام عن أزِمَّة القيادات الاقتصادية في هياكل منظمات العالم التنموية ، وليس كما يظن البعض : أن مشكلتهن لا تتعدى ضعف التدريب ، فإذا دُرِّبن إدارياً كما يُدرَّب الرجال انتهت أزمتهن القيادية .
إن هذا الوصف العام لواقع مشاركة الإناث اليوم في ميادين التنمية الاقتصادية العامة وقياداتها التنفيذية لا يسمح للأمة المسلمة بالإمعان في الاعتماد على العنصر النسائي في قيام نهضتها الاقتصادية، خاصة بعد أن لوحظ أن العامل المشترك بين الدول التي اختلَّت اقتصادياً ، ضمن الأزمة التي أصابت دول شرق آسيا ، في نهاية الألفية الثانية ، مع ما حفَّها من أسباب أخرى : هو كثرة أيدي النساء العاملات، بما يفوق نسبهن في غالب دول العالم، ومن جهة أخرى واقع التنمية الاقتصادية العالمية التي لم تزْدد في العقود الأخيرة من نهاية القرن العشرين إلا سوءاً ، حتى تتوجت بالأزمة المالية الخانقة في العقد الأول من الألفية الثالثة ، كل ذلك رغم وفرة أيدي النساء العاملات ؛ حيث وصلت نسبتهن العالمية إلى الثلث تقريباً ، وفي بعض أقاليم العالم ما بين (50 – 55% ) ، وربما بلغت (60% ) في بعض الدول ، في حين كانت نسبة المشاركة النسائية في قوة العمل اليابانية في فترة تفوقها في بداية التسعينيات : ( 20% ) فقط ، والعجيب أن نسبتهن ضمن قوى العمل في بعض الدول النامية، التي تعاني أزمات التخلــــف الاقتصادي وصلت في بداية الألفية الثالثة إلى (23.7%) ، و(24.3%) ، و(27%) ، و(38%)، وفي بعض الدول وصلت إلى (50%)، مما يدل على أن التفوق في التنمية الاقتصادية لا علاقة له بزيادة العنصر النسائي ؛ بل ربما كانت زيادتهن في قوى العمل من أسباب ضعف التنمية المعاصرة وانهيارها ، خاصة حين أخفق النساء العاملات في القيام بأدوارهن التربوية كإناث ، عندما تخلين عن تربية الشباب تربية صالحة للإنتاج والتنمية ، ولتحمُّل أعباء القيام بواجب النهضة الاقتصادية .