تأتي قضية المرأة بصورة عامة ، والمرأة المسلمة بصورة خاصة ، لتدخل بقوة ضمن المسألة الاقتصادية ، لتكون عنصراً أساساً في الأنشطة الاستثمارية : الصناعية منها ، والتجارية ، والتسويقية ، والخدمية ، فمنذ بداية القرن العشرين والمرأة الغربية تشارك في الأنشطة الاقتصادية العامة ، حتى إن عدد النساء العاملات في المصانع الأمريكية عام 1918م بلغ مليون امرأة ، وما أن انقضت الحربان العالميتان الأولى والثانية حتى دخلت المرأة الغربية بصورة أساسية ضمن قوى العمل ، ونالت – بعد ذلك – شيئاً من حقوقها الإنسانية المهضومة، التي لم يُعترف لها بشيء منها عبر تاريخ أوروبا الطويل ، ابتداءً من الشك في أصلها الإنساني، ومروراً بحرمانها من حقوقها الاقتصادية والمالية ، إضافة إلى بشاعة وصفها في كتبهم الدينية المقدسة، وانتهاءً بإباحة بيع الزوجات، وجواز تبادلهن للاستمتاع، ضمن نظام اجتماعي وقانوني يحمي هذه الممارسات الظالمة غير الإنسانية .
ومع المتغيرات العالمية الجديدة في القرن العشرين ، وعولمة حقوق الإنسان، التي أصبحت جزءاً أصيلاً في القانون الدولي ، ضمن أكثر من مائة معاهدة واتفاقية دولية ، وافقت وصادقت عليها معظم دول العالم ، إضافة إلى ما توليه منظمة الأمم المتحدة من عناية خاصة بالمرأة في العالم ، ضمن خمسة عشر جهازاً متخصِّصاً يُعنى – بصورة مباشرة وغير مباشرة – بقضايا المرأة وشؤونها العامة ، منها صندوق تنمية الإناث، المعني – بصورة مباشرة – بقضايا عمل المرأة، إلى جانب إسهامات برامج الخصخصة الاقتصادية ، والبرامج الاستثمارية التي تشرف عليها الوكالات الغربية المانحة ، مما يصح تسميته : "لوبي المرأة " ، كل ذلك أسهم في زيادة مذهلة في أعداد النساء المشاركات في ميادين التنمية الاقتصادية العامة ، حتى ظهر مصطلح : "الجغرافيا النسوية "، أو : "جغرافيا المرأة " ، باعتباره اتجاهًا بحثيًا ، يُعنى بالمرأة في الحياة العامة ، ويهتم بها كمجموعة نوعية، لها طبيعتها وخصائصها ، التي تميُّزها عن الرجال ؛ وذلك بعد أن أصبح للمرأة ظهور واضح في الحياة الاجتماعية العامة ، وبعد أن أصبح عملها هدفًا في حد ذاته ، ومؤشرًا لتقدم الدول وتطورها، وهذا على غير المعهود من طبيعة المجتمعات الإنسانية في الأزمنة السابقة ، وما درج عليه الناس ، من ظهور الرجال وانتشارهم ، واختفاء النساء واستتارهن ، وهذا ما يمكن استنباطه من قول الله تعالى في مطلع سورة النساء : ...