تكاد تجمع الدراسات العلمية على وجود علاقة في غاية القوة بين انخفاض خصوبة المرأة القادرة على الإنجاب ، وبين العمل خارج المنزل ؛ من حيث عدد المواليد ، واستخدام وسائل منع الحمل وتنظيمه ، وتأخير سن الزواج ، الذي يفوِّت زمناً من فترة الخصوبة واحتمالات الإنجاب ، حتى أصبح عمل النساء – في عرف بعض الاقتصاديين – أفضل وسيلة لتحديد النسل ، وضبط معدلاته المتنامية؛ بحيث تنخفض معدلات خصوبتهن بصورة متلازمة مع درجة التقدم الصناعي ، فبدلاً من أن يكون الانتعاش الاقتصادي ، والوفرة المالية وسيلة لكثرة النسل ، واتساع حجم الأسرة ، فإذا به يرتبط ارتباطاً وثيقاً بقلة النسل ، وضيق حجم الأسرة ، وفي الجانب الآخر يُعتبر ارتفاع خصوبة المرأة ، وكثرة إنجابها – عند المتحمسين لعمل المرأة – عائقاً في طريق مشاركتها في ميادين التنمية الاقتصادية العامة ؛ بل هو عند بعضهم : " تكريس دونية المرأة ، وحصر قيمتها بشرطها الأنثوي ، ومقدرتها البيولوجية على الإنجاب " ، والنبي يقول في حق المرأة المنجبة : " إن للمرأة في حملها إلى وضعها إلى فصالها من الأجر كالمتشحِّط في سبيل الله ، فإن هلكت فيما بين ذلك فلها أجر شهيد " . ويقول في الحث على التكاثر : " تزوَّجوا الولود الودود؛ فإني مكاثر بكم " .
إن واقع " فك الارتباط بين الجنس كفاعلية تعطي لصاحبها المتعة واللذة، وبين الجنس كوسيلة للإنجاب والتكاثر " : ممارسة يأباها التوجه الإسلامي ، وترفضها الفطر السويـــة ؛ فإن الشهوة الجنسية ما رُكِّبت إلا للحث على النسل ، والفتاة ما بلغت المحيــــض إلا لتخدم النوع بالدرجة الأولى ، حتى إنه لو قُدِّر أن يُستغنى بالاستنساخ عن دور الرجل في عملية الإخصاب، فمن المستحيل أن يُستغنى عن دور المرأة في عمليَّتي الإخصاب والحمل ، فهي تمثل الجانب البيولوجي في حياة الإنسان ، باعتبارها الأداة الضرورية والمركزية اللازمة لحفظ النوع ، مما يجعل ارتباط المرأة بالنسل وخدمة النوع ارتباطاً لا ينفصم إلا عندما تعجز عن الإنجاب ، أو تتنكَّر للفطرة، حين تفقد المعنى الصحيح لدورها الإنساني ، فبقدر ما تتنوَّع الصنائع بالنسبة للرجال ، وتختلف طرائقها ومهاراتهــا ، فإنها تتحدَّد بالنسبة للنساء ، وتنحصر – في كثير من الأحيان – في صناعة الإنسان ، وتكرار النَّوع البشري.
إن الضابط الأسري المتصل بخدمة النوع لا يقبل أن يكون العمل المهني – أياً كان – صارفاً للمرأة عن الإنجاب وتكثير النسل، خاصة إذا علمت أن قيمة الإنسان الاجتماعية تُقدَّر بحجم الخدمة والفائدة التي يقدمها للمجتمع ؛ فأيُّ خدمة اجتماعية يمكن أن تقدمها المرأة المسلمة أعظم من تكثير ســـواد الأمة ؟ في الوقت الذي يسعى فيه الأعداء لخفض فرص الإنجاب بين المسلمين؛ فإن التفوق العددي للمسلمين في قارات العالم الست : يسبب قلقاً مزعجاً لأعدائهم ، وهاجساً مؤرِّقاً لهم ، في ظل تناقص أعداد السكان في الدول الغربية المتقدمة ، وانخفاض النمو الطبيعي للسكان ، الذي تحفظ به الحضارة من الزوال ، لاسيما وأن ميزان القوى الاقتصادية يتأثر بالقوى العددية ؛ لأن الاستثمارات الصناعية الحديثة تتبع العمالة أينما كانت ، وليس العكس ، ولهذا تتدفق الاستثمارات على الدول التي تتوافر فيها القوى العاملة، ولا سيما الرخيصة منها والمدربة ، فبدلاً من أن تكون المرأة المسلمة هي العضو المشارك بنفسه في أعمال التنمية العامة : تسعى من خلال الإنجاب إلى إيجاد القاعدة البشرية العريضة ، التي تشارك في التنمية ، وتتنافس على الصدارة، وتلتزم الدولة المسلمة تجاهها وتجاه زوجها بالدعم والإعانة؛ بحيث تقدم الإعانات والمساعدات لكل زوجة اختارت البقاء في بيتها ، وتربية أولادها ، فأيُّ خيانة اجتماعية – حينئذٍ – يمكن أن تقترفها المرأة أشد من خفض معدلات إنجابها ؟ في الوقت الذي يسعى فيه الأعداء جاهدين لتكثير نسلهم بكل وسيلة ممكنة، فلا يصح من المرأة المسلمة أن تكون وسيلة – مباشرة أو غير مباشرة – في خدمة أعداء الإسلام من جهة ، وخذلان المسلمين من جهة أخرى .