19ـ جريمة الاغتصاب الجنسي

19- جريمة الاغتصاب الجنسي

إن أسباب المجرمين في انتهاك أعراض الفتيات والنساء عموماً تنوعت طرقها، واختلفت صورها حسب الظروف والأحوال، وعمق الانحراف الجنسي في شخصية المُنْتَهك، ومن أشد الصور الإجرامية هو: انتهاك عرض الفتاة بالاغتصاب الجنسي: بحيث يغلب المجرم الفتاة على نفسها، ويتمكن من وطئها خلْسة، رغماً عنها، ومع كون هذه الطريقة بدائية قديمة: فإنه لا يكاد يخلو منها مجتمع عبر التاريخ الإنساني وحتى اليوم، ومع ذلك فهي أقبح صور الانتهاك العرضي، وأكثرها جرأة وجرماً، وأوسعها انتشاراً، وأشدها تأثيراً في نفس الفتاة، وأعظمها زلزلة لشخصيتها، وتحطيماً لكيانها ككل، مما يهدد الفتاة المغتصبة بأمراض نفسية، وإخفاقات اجتماعية، وانحرافات خلقية لا حد لها؛ ولهذا ألزم كثير من الفقهاء الفتاة بالدفع عن عرضها بكل ما أوتيت من قوة، ولو أدى ذلك إلى قتل الجاني، أو هلاكها، والفتاة المستكرهة في مثل هذه الحالات الاضطرارية بريئة في نظر الشارع الحكيم من دم الصائل وحدِّ الزنى، حتى ولو ظهر حملها، ما دامت تملك البينة والقرائن على طهارتها، وعفتها من المطاوعة في الفاحشة، ومن القواعد الفقهية في هذا المقام: "من أتلف شيئاً لدفع أذاه لم يضمنه"، وفي خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب t تعرضت فتاة للاغتصاب، فدفعت عن نفسها بحجر، فقتلت المعتدي، فلما بلغ عمر t الخبر، أسقط عنها الحد، وقال: "ذلك قتيل الله، ولا يودَى أبداً".

والعجيب في سلوك غالب الفتيات المغُتصبات أنهن لا يبدين ضد المجرمين أيَّ مقاومة تُذكر، مما يجعلهن فرائس سهلة للمنحرفين، رغم أن الفطرة الأنثوية الحذرة، بطبيعتها المُترقِّبة اليقظة: تدفع عن ذات الفتاة، وترد عن شخصها، ولوبغير إرادة منها، وهذا سلوك عام في الكائنات؛ فإن الحيوان الأعجم -مهما كان ضعيفاً- إذا ضُيِّق عليه، وأحسَّ بالهلاك: دفع عن نفسه، ورد عن ذاته ولو بغير قوة.

إن الفتاة العاقلة لا تأمن أحداً من الذكور على عرضها ما لم يكن محرماً، فإن الذكورة هي في نفسها عداوة للأنوثة، فكل رجل ليس بمحرم لها يجب أن تكون مرفوضاً عندها، مهما كانت منزلته وفضله، ولو كان صالحاً عابداً، أو شيخاً كبيراً، أو معاقاً في جسده، أو متخلِّفاً في عقله، أو حتى صبياً قد قارب الحلم، فكل هؤلاء ونحوهم مَخُوفٌ على الفتاة في عرضها، لا بد أن تحذرهم على نفسها، بل إن الفتاة الفطنة لتحذر الفاسق من محارمها، ممن لا خُلق له ولا شهامة، فإن حجماً ضخماً من الإساءة الجنسية تقع على الإناث من محارمهن، وقد عاقب النبي r من فعل هذا في زمنه من المحارم بأن قتله، وأخذ ماله.

ولعل من أعجب وأغرب ما يُنقل في مثل هذه القضايا الجنسية، وعظم فتنتها، وحصولها ممن لا يُظن أن تصدر من أمثالهم: ما حكاه بعض الأنصار من أصحاب رسول الله r : " أنه اشتكى رجل منهم حتى أضْنَى، فعاد جلدة على عظم، فدخلت عليه جارية لبعضهم، فهشَّ لها، فوقع عليها، فلما دخل عليه رجال قومه يعودونه أخبرهم بذلك، وقال: " استفتوا لي رسول الله r فإني قد وقعت على جارية دخلت عليَّ، فذكروا ذلك لرسول الله r ، وقالوا: ما رأينا بأحد من الناس من الضرِّ مثل الذي هو به، لو حملناه إليك لتفسَّخت عظامه، ما هو إلا جلد على عظم، فأمر رسول الله r أن يأخذوا له مائة شِمراخ فيضربوه بها ضربة واحدة"، وهذه الرواية تدل على عظم الفتنة المتعلقة بالمسألة الجنسية.