16ـ ضرورة تطهير المجتمع من أسباب الفتنة الجنسية

16- ضرورة تطهير المجتمع من أسباب الفتنة الجنسية

إن من المسلَّم به: أن دافع الغريزة الجنسية من أقوى دوافع الإنسان، والغريزة بطبعها الفطري عمياء خادعة، لا تعرف التمييز بين النافع والضار، أو الحلال والحرام، إلا ما يُشبع نهمتها على أي وجه كان من الوجوه، كما أن درجة  عنفها، وطبيعة أدائها لا تخضع لتطور الحياة الاجتماعية وتغيراتها المادية أو المعنوية؛ فإن أفعال الغريزة ثابتة لا تتغيَّر، والإنسان في كل عصر هو الإنسان -ذكوره وإناثه- لا تقبل غرائزه الخروج عن طبيعتها في تطور أو تجديد، وما زالت القضية الجنسية -بصفة خاصة- قضية الإنسان منذ العصور المتقدمة، ومحور كثير من اهتماماته ومعاناته، حتى إنها كانت في بعض الشعوب ميدان عبادة وتقديس، وقد سبق من خبرات الناس الصحيحة: أنه ما من "سبيل إلى نزع الأخلاق من شعب من الشعوب أنجع وأجدى من ترك شبيبته نهباً للغرائز دونما ضبط أو قيد"، فالسلامة من فتنة الشهوات: سلامة من نصف الشر، كما أن السلامة من فتنة الشبهات: سلامة من نصف الشر الآخر.

ومنهج التربية الإسلامية في تعامله مع الإنسان لا يكتفي بمجرد تحريم السلوك الخلقي المنحرف؛ بل يجْتثُّ من أول الأمر الأسباب المؤدية إليه، فيُطالب المجتمع ابتداء بتطهير مؤسساته كلها من أسباب الفتنة الجنسية، ومثيراتها الشهوانية؛ حتى يتوافر للأفراد، -بصورة عامة - المناخ الصحي الملائم لنمو وازدهار سلوكهم الخلقي السوي، وهذا لا يتحقق على الوجه الصحيح -خاصة في هذا العصر- إلا من خلال ثلاث وسائل رئيسة على النحو الآتي:

الوسيلة الأولى: تطهير وسائل الإعلام من أسباب الفتنة الجنسية: بهدف تحرير عنصر الإناث من سجن البيولوجية الجسدية، إلى رحاب الإنسانية الكاملة، وذلك من خلال كفِّ وسائل الإعلام بشعبها الثلاث: المرئية، والمسموعة، والمقروءة عن استهواء الفتيات بما تعرضه عبر المَشَاهد من صور الإغراء الجنسي المثير، وما تبثه عبر الأثير من السماع الفاحش الصاخب المحرك للطباع، وما تنشره عبر المطبوعات من الأدب الإباحي المكشوف، فإذا كان المجتمع صادقاً في حرصه على العفَّة التي يدَّعيها، وملتزماً بالقوانين الأخلاقية التي يتنادى بها: فكيف يفسر تنازله الشائن عن هذه القيم الأخلاقية بإباحة عرض أجساد الفتيات عارية في الأفلام ودور الرقص، وعبر المجلات المصورة، والإعلانات التجارية؟ ثم بعد ذلك يترك الفتاة الشابة في خضم هذا الزخم الإعلامي الفاحش المثير لتحلَّ هذه المعضلة الاجتماعية بنفسها: فتشاهد وتستمع وتقرأ - ومع ذلك- تبقى ضمن حدود الآداب والأخلاق الاجتماعية المرعية، وهذا من أشد أنواع التناقض الاجتماعي، الذي ترفضه أبسط مبادئ التربية، وتمجُّه أضعف العقول.

الوسيلة الثانية: تطهير المعرفة العلمية والثقافية من أسباب الفتنة الجنسية: بحيث تنسجم المعرفة التربوية بكل فعالياتها الفكرية والسلوكية مع منهج التربية الإسلامية، فلا يجد المربون في مناهج التربية ما يخالف مبادئ الإسلام، أو يتعارض مع أسلوبه في معالجة مشكلات الشباب الأخلاقية والسلوكية. إلا أن الناظر في مجال التربية وعلم النفس يجده ميداناً رحباً عند كثير من التربويين؛ يُؤصِّلون من خلاله أخطاء الشباب الجنسية والعاطفية، تحت ستار الدراسات النفسية والتربوية، كما يجد في مجال الثقافة والفكر من يُؤيِّد هذه الاتجاهات الجنسية السقيمة، ويدعمها بالحجة العقلية والمنطقية، ثم يجد بعد هذا في مجال التشريع الإسلامي من يتبرع -باسم الدين- لأسلمة هذه الأفكار والسلوكيات الجنسية المنحرفة، ويضْفي عليها ثوب الشرعية الدينية، ويُهوِّن على نفوس الشباب وضمائرهم أمر ارتكابها، إضافة إلى وجود قوى عالمية، ذات ثقل كبير تقف وراء عولمة بعض المصطلحات الجديدة، ضمن مفاهيم تتناسب معها، مثل: العائلة، الإجهاض، الحرية، الثقافة الجنسية.

إن منهج التربية الإسلامية بطبيعته الربانية المتميزة لا يقبل الشِّرْكة، فإما أن ينفرد بتربية الأجيال وفق نهجه وطبيعته الخاصة، وإما أن تتنازع التربية أهواء الذين لا يعلمون، من روَّاد العقد النفسية، والفتنة الجنسية.

الوسيلة الثالثة: تطهير المرافق العامة من أسباب الفتنة الجنسية: بحيث لا تجد الفتاة في الحياة الاجتماعية العامة ومناشطها المختلفة، الجادة منها والترفيهية: ما يُحرِّضها -بصورة من الصور- على ارتكاب الفواحش، أو يُثير غريزتها، أو يجعل من بدنها، أو صوتها من خلال تبرجها واختلاطها: أداة للإثارة الجنسية، والاستمتاع الباطل، فإن المباعدة بين أنفاس الذكور والإناث: دينٌ يُتَّبع، وإلزام الشواب من النساء بما وقع الخلاف في جواز كشفه من أبدانهن - فضلاً عن المجمع على ستره- حقٌ يُحتذى، ومسؤولية يقوم بها السلطان؛ فقد أثبتت التجربة الواقعية والتاريخية أن المجتمعات التي تلتزم فيها النساء الحجاب الكامل، والتي يقلُّ فيها الاحتكاك بين الجنسين: أنها مجتمعات سليمة من مظاهر وانحرافات السلوك الجنسي بأنواعها المختلفة.

إن هذه الوسائل الثلاث إذا راعاها المجتمع، وألزم بها مؤسساته المختلفة فغالباً ما تُدْرأ عن مثل هذا المجتمع أسباب الفتنة الجنسية، وتبقى قضية الجنس في حدودها الزوجية، ضمن نطاق الأسرة، تؤدي دورها في التناسل والتكاثر دون انحرافات خلقية، أو معاناة اجتماعية تُخرج أفراد المجتمع عن حدودهم الطبيعية.