إن حصر النشاط الجنسي في نظام الزواج، وتحريم العلاقات الجنسية خارجه: من أعظم ما سعِدت به الإنسانية، وارتقت به عبر عصورها المختلفة، إلا أن تغيُّراً عظيماً طرأ في هذا العصر على طبيعة هذا النظام، هدَّد الحياة الجنسية، وأنْذر بخطر جليل: فقد تأخر سن الزواج ليوافق طبيعة الظروف الاقتصادية المتردية، وظهر نظام التعليم الحديث، وظهر معه التوسع في تشغيل الفتيات، كل ذلك يقف في وجه قيام الحياة الزوجية في وقت مبكر بصورة طبيعية، فأفرز هذا الوضع الاجتماعي المضطرب جمعاً من المسالك الجنسية المنحرفة خارج حدود الحياة الزوجية ؛ إذ إن طبيعة الدافع الجنسي عند الإنسان تحتاج إلى الإشباع بصورة كافية ودائمة، ولا تتحمل - في كثير من الأحيان- التأجيل، فإما أن يتم هذا الإشباع بطريق مشروع، أو يحصل بطريق غير مشروع، فإذا لم تنصرف الطاقة الشهوية بشيء من ذلك -بصورة كافية- ظهرت مشكلات التوافق الاجتماعي والنفسي، والأمراض العصابية القاهرة، التي تعاني منها المجتمعات الحضارية المتقدمة، في الوقت الذي سَلمتْ منها المجتمعات الريفية البسيطة التي لا تعرف نظام العزوبة، ومن المعلوم: أن الإفراط في كبت الطاقة الجنسية، مع توافر دواعي الإثارة: يُضعف جانباً من قوى الإنسان العقلية المدركة، ويُخلُّ بجانب كبير من كوابحه الخلقية الضابطة؛ ولهذا توسع الإسلام في باب النكاح والتَّسرِّي كأوسع ما يكون، وربما إلى درجة الوجوب أحياناً؛ حتى لا يبقى شيء من مادة الطاقة الجنسية كوقود للانحرافات الخلقية، أو النفسية.
وقد عالج البريطانيون في القرن الثامن عشر الميلادي مشكلة الانحرافات الجنسية التي تفاقمت عندهم آنذاك بتشجيع نظام زواج الفتيات المبكر، منذ الثانية عشرة من أعمارهن، وهي السِّن التي تنبعث فيها ميول الفتيات الجنسية بصورة واضحة، فهن بعد البلوغ في حاجة إلى الإحصان الذي يتحقق لهن بالزواج، كما أن بلوغ الفتيات سناً معينة ليست شرطاً في صحة عقد الزواج، وما زال العقلاء في كل عصر يُوصون بتعجيل النكاح، وتخفيف مؤونته كحل جذري للمشكلة الجنسية، وللحفاظ على المجتمع من ضلال شبابه وفتياته بطاقاتهم الجنسية، حتى إن بعضهم يقترح التوسع في تزويج الشباب من الجنسين، مع تأجيل الإنجاب، أو التحكم فيه حسب ظروف الزوجين في أول حياتهما.
ونظام الإسلام الاجتماعي يُحمِّل الأسرة المفرِّطة في التبكير بتزويج أبنائها من الذكور والإناث قسطاً من المسؤولية الشرعية تجاه انحرافاتهم الجنسية، فإن عدم وجود القدرة على التناسل عند المراهقين المقاربين للبلوغ لا يعني عدم قدرتهم على الجماع ومقدماته، كما أن ابتداء الحيض عند الفتاة لا يعني - بصورة مطلقة- قدرتها على التناسل؛ فإن قدرتها على تحمل الوطء تسبق قدرتها على التناسل بسنوات، وبناء على هذا الواقع الطبيعي لا بد من التوسع بصورة كبيرة في مبدأ التزويج إذا حضر الكفء، دون النظر - بصورة مفرطة- إلى السن، أو المعوِّقات الاقتصادية والاجتماعية، بل لا بد من العمل الجاد لتجاوزها بما يخدم صحة الشباب الجنسية، ويحفظ المجتمع من أسباب الفساد والانحراف الخلقي.