11- حماية الفتاة من الثورة الجنسية المعاصرة
مع كون الانحراف الفكري في المفاهيم الجنسية أخطر من مجرَّد الوقوع في خطأ السلوك الجنسي؛ إلا أن الانحراف الجنسي إذا بلغ منتهاه: فإنه غالباً ما يجمع في شخص متعاطيه بين انحراف الفكر، وقبح السلوك، فينتقل من خلال غواية المسْلك إلى غواية الفهم، فيجمع بين الرذيلتين، وقبيح الغوايتين.
وأهمية تربية الفتاة من الناحية الجنسية لا تقتصر -خاصة في العصر الحاضر- على مجرَّد إقناع الفتاة بأحكام العلاقات الجنسية وضوابطها؛ بل تتعدى ذلك إلى حمايتها من أضرار الفساد الجنسي بأنواعه وجوانبه المختلفة؛ إذ ليس من الطبيعي في منهج التربية الإسلامي الاقتصار على التوجيه الفكري، والإقناع العقلي دون الاهتمام الجاد ببناء البيئة الطاهرة النقية، التي تساعد على الاستقامة السلوكية، الخالية من الفتنة والافتتان.
لقد مرَّت البشرية عبر حَقب تاريخها الطويل بمظاهر متعددة، وصور متنوعة من الانحرافات الجنسية، التي كانت من بين الأسباب الرئيسية لزوال كثير من الحضارات، وأفول كياناتها بكاملها، وضياع إنجازاتها الكبرى، وما زال العامل الجنسي -كمحور رئيس للأخلاق- يهدد الحضارات الإنسانية المعاصرة بالزوال، ويُبشِّر بقيام حضارة أخرى، على أسس جديدة من القيم الخلقية، والسلوك القويم، فإن مستقبل الإنسانية مرهون -إلى حد كبير- بالطريقة التي يتناول بها الإنسان تصريف طاقته الجنسية، التي يقوم عليها بقاء النوع، واستمرار النسل، والتي امتزجت باللذة والمتعة لضمان استمرار عطائها، مما قد يدفع الإنسان -بهدف المتعة- إلى الانحراف بهذه الطاقة بعيداً عن مقصد الشارع من مبدأ تركيبها، لتصبح أداة إزعاج، وتدمير للإنسانية.
لقد أصبح من المسلَّم به عند الباحثين أن التوتر الجنسي الدائم هو سمة الحضارة المعاصرة، وطابعها العام؛ بحيث يصعب على الفرد المعاصر -ذكراً كان أو أنثى- حماية نفسه من زخم الإثارة الجنسية العارمة، ومثيراتها المتنوعة، الضاربة في كل جنبات الحياة الحضرية المعاصرة، والمتغلغلة في جزئياتها الصغرى، وكلياتها الكبرى، مما كان له بالغ الأثر في دفع الناس عموماً، والشباب على وجه الخصوص إلى مزيد من الممارسات الجنسية -مشروعة كانت أو ممنوعة- حتى عمَّت الثورة الجنسية كل طبقات المجتمعات المعاصرة من الصغار والكبار؛ بل وحتى الحيوانات لم تسلم من طغيان الثورة الجنسية؛ فقد كان بعضها موضع استمتاع لبعض الناس من الشواذ والمنحرفين جنسياً، من الذكور والإناث حتى وصل الانحراف إلى بعض البلاد العربية.
ولم تكن سنة الله تعالى الجارية في خلْقه لتتخلف عن المفرِّطين والمنحرفين، حتى عمَّهُم الله تعالى بالأمراض والأسقام التي لم تكن في أسلافهم، خاصة مرض نقص المناعة المكتسبة: "الإيدز"، الذي ما زال يحصد ضحاياه بصورة فاجعة فريدة، لم يسبق لها مثيل في التاريخ الإنساني، مما دفع بعض المنظمات الأمريكية إلى المناداة من جديد بمحاربة الانحرافات الجنسية والأخلاقية، ودعم - في مقابل ذلك- الأسرة والاستقرار المنزلي.
إن من الضروري -والحالة هذه- السعي الجاد في حماية المجتمع المسلم عامة، والفتاة المسلمة خاصة، من هذا الانحراف الداهم؛ فإنهن في سن الشباب أكثر عرضة للإصابة بمرض الإيدز من الذكور؛ لكونهن أسرع بلوغاً، وبالتالي هن أيضاً أسرع تبكيراً من الذكور في ممارسة العلاقات الجنسية المحرمة، والإحصائيات العالمية الحديثة تشير إلى أن الإناث عموماً يمثلن نصف المصابين بهذا المرض تقريباً، ولما كان هذا المرض يفتك غالباً بالشباب ما بين 15-24سنة: فإن الإناث يمثلن 30% من المصابين به دون سن الخامسة والعشرين.
ومجتمع العالم اليوم يُعد قرية واحدة يؤثر بعضه في بعض، ومظاهر الانحرافات الخلقية ملازمة لبناء المجتمع الحضري، في ظلِّ الوصاية الغربية ضمن مفهوم العولمة، فلا بد أن يستقر في ذهن الفتاة المعاصرة: أن العلاقة في غاية القوة بين الانحراف الجنسي بمظاهره المختلفة، وبين ما يتولَّد عنه من أضرار صحية شاملة، ومن المعلوم شرعاً أن: "الرضا بالشيء: رضا بما يتولد منه"، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.