3ـ تجنب الفتاة مهارة العزف الموسيقي

ويقصد بتجنب الفتاة مهارة العزف: ألا يدخل هذا النوع من الفن– مطلقاً– ضمن مهارات الفتاة اليدوية, فكل آلات العزف واللهو المختلفة ممنوعة شرعاً بإجماع المسلمين, ولايستثنى من ذلك إلا الدف. وما حكاه ابن حزم رحمه الله في إباحة آلات الملاهي: فقد رُدَّ عليه, وحجته مبنية على انقطاع سند حديث البخاري في ذم المعازف, فقد أورد الحديث, وأحاديث أخرى في الموضوع, وأخذ – رحمه الله – يطعن في أسانيدها, وينتصر لمذهبه في إباحة آلات الطرب, حيث يقول:" ولا يصح في هذا الباب شيء أبداً, وكل ما فيه موضوع,  ووالله لو أسند جميعُهُ, أو أحد منه فأكثر من طريق الثقات إلى رسول الله  r لما ترددنا في الأخذ به", يقول ابن حجر رحمه الله في إبطال هذه الحجة:"  وهذا حديث صحيح, لاعلِّة له, ولا مطعن له, وقد أعلَّه أبو محمد بن حزم بالانقطاع  بين البخاري وصدقة بن خالد, وبالاختلاف في اسم أبي مالك, وهذا كما تراه قد سقته من رواية تسعة عن هشام متصلاً فيهم". ومن هنا يُعلم أن الحجة التي بنى عليها ابن حزم ومن قلَّده من التربويين وغيرهم: بطلت باتصال السند, وثبوت صحة الحديث, ومع هذا فإن قول أحد الأئمة – مهما كانت مرتبته – ليس بحجة إذا خالفه غيره, فكيف إذا خالفه الأكثرون؟ ومن المعلوم أن الخلاف الضعيف أو الشاذ أو المهجور من المسائل الفقهية لا يُراعى ولا يُلتفت إليه, والأصل في اجتماع الحظر والإباحة تغليب الحظر إلا عند ضرورة ملجئة, فالمسألة التي يختلف فيها الناس يُؤخذ فيها بالإجماع إن وُجد, وإلا أُخذ بالأحوط, ثم بالأوثق دليلاً, ثم يُؤخذ بقول من يُظن أنه أفضل وأعلم, ومع ذلك فإن تتبُّع  رخص المذاهب لا يصح إلا بشروط وضوابط. ومن المعروف أن إطلاق غالب الأئمة المتقدمين لفظ" الكراهة" على بعض المسائل: يُفيد عندهم التحريم؛ وإنما يمنعهم من التصريح بذلك أدبهم مع الله تعالى.

إضافة إلى كل هذا فإن للموسيقى أثراً بالغاً في التهييج الجنسي, والإثارة النفسية, والخروج عن المألوف, والعبث العقلي: أبلغ من كل أنواع المهارات والفنون الأخرى,حتى ضجَّت من آثارها السيئة المجتمعات المعاصرة. ولهذا حرص أعداء الإسلام من الكفار والمنافقين على بثِّها بين شباب المسلمين كأوسع ما يكون, فانشغل بها الشباب المسلم, حتى بلغت ببعضهم درجة الهوس الموسيقي المفرط, وضعف في نفوسهم الشعور بالمذمة من تعاطيها، حتى أقيمت لها الكليات والمعاهد الخاصة،والمؤتمرات ، والمنظمات الأكاديمية الدولية الرفيعة المستوى، وحتى أصبحت الجرأة في الإيصاء بتعليمها وتعميمها على المراحل التعليمية أمراً شائعاً مستساغاً لا يُستنكر.

ولم تكن الفتاة المسلمة– في كل هذا – بعيدة عن هذا التأثير الدولي والمحلي حتى تعاطت هذه المهارة، خاصة وأن الفتيات بطبعهن أميل في العموم إلى تعاطي الموسيقى من الفتيان، وأكثر تفوقاً فيها.

إن هذا الوضع الاجتماعي المنحرف لا يُبيح للفتاة المسلمة المعاصرة تعلُّم أو ممارسة هذه المهارة مهما كانت   المبررات، فقد مرت فترات على الأمة المسلمة انتشرت فيها الملاهي والمزامير بين بعض السَّاسة والوجهاء، وبرز فيها نفوذ الفنَّانين والفنَّانات  كأقوى ما يكون، حتى أشغلوا الناس بلهوهم، وهذا أمر واقع في القديم والحديث، إلا أن كل هذا لم يخرج هذه المهارة عن كونها ممنوعة شرعاً، ولم يمنع العلماء– عبر التاريخ الإسلامي في القديم والحديث – من الزجر عنها، واعتبارها من العلوم المحرَّمة شرعاً، وقد كتب سليمان بن عبد الملك – رحمه الله– إلى عامله بالمدينة بسجن المغنين، وكتب أيضاً عمر بن عبد العزيز – رحمه الله – إلى عمر بن الوليد في مسائل يعاتبه عليها، ومنها أن قال له: "… وإظهارك المعازف والمزامير بدعة في الإسلام، ولقد هممت أن أبعث إليك من يجرُّ جمتك جمة السوء"، ثم إن الذين مالوا لإباحة آلات اللهو: قيَّدوه بألا يُصاحبه الغناء الفاحش المثير للخنا والفساد، وإلا كان ممنوعاً شرعاً ولا شك أن طرب هذا العصر لا يكاد يخلو من المحظور الشرعي، الذي ينقُلُه عند جميع العلماء إلى التحريم.