16ـ حاجة الفتاة إلى فهم النفس

يكتنف الجانب النفسي من الطبيعة الإنسانية غموض أكثر بكثير مما يكتنف الجانب البيولوجي في طبيعته التكوينية، فما زال الباحثون منذ القدم يخوضون غمار هذه المفازة الإنسانية الغامضة، باحثين ومنقِّبين عن حقيقة كنهها، وطبيعة خلْقها، ومعالم سلوكها، فلا يصلون إلى شيء ذي بال يشفي الغليل، ويُريح العقل من عناء البحث والتنقيب، ولعل هذا يرجع إلى كون النفس الإنسانية من عالم الروح الذي اختص الله تعالى بحقيقته، كما قال في كتابه العزيز: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} [ الإسراء:85] ومن هنا كانت حقيقتها محتجبة عن أفهام الناس ومداركهم.

ورغم هذا الغموض العام الذي يُخيِّم على جانب الإنسان السيكولوجي فإنه عند الإناث من نوعي الإنسان أخفى، وأشدُّ غموضاً، وهو عند الفتاة العربية أخفى ما يكون وأغمض، فلم يزل موضوع نفسية المرأة خافياً على الأمم منذ القدم وحتى اليوم، حتى إن من مدرسة التحليل النفسي التي أنشأها "سيجمند فرويد" رغم جراءتها في كثير من المسائل النفسية: تعترف بتعذر الوقوف على وصف دقيق لطبيعة المرأة النفسية، بل إن المرأة نفسها ظلت طبيعتها غامضة عليها، حتى إنه ليصعب عليها التعبير عن ذاتها بصورة واضحة ودقيقة وشاملة، ولهذا كثيراً ما كانت المرأة ولا تزال موضوعاً مثيراً للرجل للحديث عنها، ولعل هذا ما يبرر كثرة الكتابات عن طبائع النساء وأحوالهن، خاصة في هذا العصر، في حين تندر هذه الكتابات عند ذكر طبائع الرجال وأحوالهم، إلا أن هذا الغموض النفسي في طباع الإناث، وازدهار ألوانه بأنواع متعددة من الانفعالات، وصور متنوعة من أنماط السلوك: لم يمنعهن من أن يسعين جادات في الحصول على المعرفة التي تعينهن على فهم نفوسهن، وإدراك أبعاد طبائعهن؛ فقد أثبتت العديد من الدراسات الميدانية الخليجية والعربية والعالمية أنهن: "أكثر رغبة في قراءة ودراسة علم النفس من الذكور"، حيث يبدين إيجابية أكبر تجاه هذا العلم، حتى إن 50% من حملة الدكتوراه، 1992م في علم النفس في الولايات المتحدة الأمريكية من النساء، وقُدِّر عام 1984م أنهن يشكِّلن نصف حملة الدكتوراه في علم النفس، ولا يزلن يقبلن بصورة كبيرة -لاسيما في السنوات الأخيرة- على التخصصات النفسية وفروعها، رغم نقص فرص العمل المتاحة لهذا النوع من التخصصات، ولعل في طبيعة المرأة وامتداد دورها الطبيعي في تقديم الخدمة للآخرين، ورعاية شؤونهم ما يبرر إقبال كثير من النساء على هذا التخصص، كما أن التغيرات النفسية والجسمية الشاملة التي تصاحب نموهن، وما يكتنفها من المشاعر والانفعالات، وما ينتابها من التوجهات الفكرية والذهنية، وما يتخللها من الصراعات الاجتماعية، كل ذلك يدفع بهن نحو إشباع الحاجة لفهم النفس، ومعرفة كنه هذه التغيرات المصاحبة للنمو، وسبل التعامل معها.

ومن هنا تظهر أهمية الصحة النفسية للفتاة الشابة؛ لتقف على المعلومات والمعارف الصحيحة التي تعينها على فهم الذات، وتساعدها على تقبل هذه التطورات النفسية الشاملة بصورة أكثر واقعية، وأعمق فهماً، بعيداً عن حديث المجالس، ونقولات الزميلات التي لا تقوم عادة على علم صحيح، أو خبرة متقنة.