15ـ حاجة الفتاة إلى تأكيد الذات

إن المشكلات النفسية المرتبطة بالذات تعتبر من أكثر المشكلات التي يعانيها الشباب من الجنسين، فإن الصحة النفسية عندهم مرتبطة بتحقيق الذات، فهم في حاجة نفسية ماسَّة للشعور بقيمتها وأهميتها، وتفاعلهم الاجتماعي برمَّته لا يعدو أن يكون بحثاً حثيثاً عن الذات، حيث يتأثرون نفسياً بالوسط الجماعي بصورة كبيرة جداً؛ إذ تتحدَّد للفرد منهم صورة ذاته من خلال الاحتكاك بالآخرين، فيتأثر بالتالي سلوكه الشخصي بناء على مفهومه عن ذاته.

وحب الذات من الغرائز المشتركة بين الإنسان والحيوان كلٌ بحسبه، فهي تحث الإنسان على صيانة نفسه، وحفظ خصوصياته من أن تنتهك، وتدفعه - بصورة دائمة- لتقبل ما يصلحه، ورفض ما يضره، إلا أنها - كحال الغرائز في العموم- حين تتقوى وتستفحل، متخطية بذلك حدود المصلحة؛ فإنها حينئذ تتحول إلى عبادة للذات، يرتكب صاحبها - في سبيل إرضائها- السيئات الأخلاقية، متعدياً على حقوق الآخرين ومصالحهم، حتى إنها من شدة تضخمها في حسِّ صاحبها تصبح "بمثابة حجاب مظلم يحول بين المرء والحقيقة، ويمنعه من إدراك الأمور على حقيقتها"؛ ولهذا كثيراً ما يقع هذا الصنف من الناس في مظالم مع الآخرين، وحول هذا "تشير الدراسات إلى أن الأحداث الجانحين يتسمون بنوع فريد من التمركز حول الذات… وينخرطون في تفكير متمركز حول الذات، باحثين عن الإشباع الشخصي، من دون اعتبار لعواقب سلوكهم".

ولما كانت الذات "بطبعها تحب المدحة، وتكره المذمة"؛ فإن كثيراً من الشذوذات السلوكية التي يقع فيها بعض الشباب لا تزيد عن كونها تعبيراً عن صيانة الذات وحفظها مما يظنون أنه قد يشينها، فالحساسية المرهفة عند كثير من الفتيات، والسلوك الغارق في الخجل المفرط، كل ذلك لا يزيد - في كثير من الأحيان- عن كونه محافظة على الذات من نقد الآخرين، ولهذا يُلاحظ على الإناث أنهن أكثر خجلاً من الذكور حين يكون الخجل مرتبطاً بإدراك الذات، وكذلك السعي الحثيث في التفوق الدراسي، والاشتغال بالوظائف العامة، وشيء من السلوك الحركي الخشن، وبعض مظاهر الغضب، قد يكون -كل ذلك أيضاً- عند بعض الفتيات وسائل للتعبير عن الذات، والسعي في تأكيدها.

إن الفتاة في هذه السن في حاجة لتعرف هويتها، ومعالم شخصيتها حتى تستطيع من خلالهما تأكيد ذاتها، وهذا لا يتم إلا من خلال التفاعل الاجتماعي الذي يسمح لها بالتعبير عن مشاعرها، وأشواقها، وميولها في سلوك صحيح مقبول، فإذا لم يتوافر للفتاة النشاط الاجتماعي المشبع، الذي يُسهم بصورة جادة في تعريفها بهويتها، ويساعدها في بناء ذاتها: فإن صوراً من المسالك الشاذة، والانحرافات الخلقية التمرُّدية يمكن أن تكون وسيلة الفتاة البائسة للتعبير عن نفسها، وتنبيه المجتمع الظالم بمكانها، بل إن تحطيم الذات الحائرة بوسيلة من وسائل الانتحار قد يكون نهاية مطاف الفتاة الفاقدة لهويتها، ومعالم شخصيتها؛ فإن التعبير عن السلوك الانتقامي عند الفتيات كثيراً ما يتجه نحو الذات، ويسبقه عندهن في العادة فترات مؤلمة من الاكتئاب النفسي، الذي يُعد مادة الانتحار الأولى، والذي يكثر عادة في الوسط النسائي.

إن التوازن السلوكي بين الذات الفردية والذات الجماعية: هو الوسيلة الناجحة لصحة الفتاة النفسية، بحيث تتحرر من أسر الذات، والتمركز حولها، وذلك من خلال التهذيب الإيماني الذي ينمِّي في النفس الحسَّ الجماعي، والاهتمام بالآخرين، ومن جهة أخرى ضرورة  قناعة المجتمع -فكرياً وسلوكياً- بأن الإنسان بنوعيه كما يُحب أن تُصان ذاته الجسمية عماَّ يضرُّها ويُؤذيها، فإنه -بصورة مماثلة- يحب أيضاً أن تُصان ذاته المعنوية فلا ينالها شيء مما يجرح كرامتها، أو حتى يخدش كيانها؛ فإن الذات ترادف النفس، وهي الشخصية بأكملها، ثم إن "صيانة النفس أصل الفضائل"، وشعور الإنسان بالشرف والرفعة ملازم له لا يفارقه، فلا بد أن يحمي المجتمع الفتاة من كل موقف يكشف عجزها ونقصها، أو يهددها بالإحباط، أو يثير عندها ذكرى تجربة مؤلمة، من أي نوع كانت، ابتداء من سقطات الفواحش الكبرى، وانتهاء بما تتضايق من إفشائه من أسرار طفولتها الخاصة، ومسالكها الصبيانية.