إن الفتاة في حاجة إلى تأكيد ذاتها، كما أنها أيضاً في حاجة للتعبير عن هذه الذات في صورة استقلالية متميزة، فإن كبت المجتمع للحريات التعبيرية المشروعة هو الوقود الرئيس للسلوك المتطرف بصوره المختلفة، وإن إهمال خصوصيات الفتاة، وتدخل الأم المفرط في شؤونها الخاصة - التي يحق لها شرعاً الاستقلال بها - يُعد من مشكلات الفتيات النفسية التي يتأثرن بها بصور سلبية.
إن شيئاً من السلوك الاستقلالي المتميِّز يصاحب -عادة- الفتاة في فترة الشباب، ويدفعها نحو التمتع بحرية التعبير عن الذات، ويقف التعليم الأكاديمي داعماً لهذا الاستقلال في سلوك الفتاة، ومساعداً لها على حرية اتخاذ القرار الشخصي، فإذا اجتمع إلى ذلك المستند الشرعي، فإن الصورة التعبيرية عن الذات تبلغ منتهاها في شخص الفتاة؛ لأن من طبع الإنسان الشعور "بالأمن النفسي عندما يسلك سلوكاً معيناً مقبولاً، ومشتقاً من قانون أخلاقي يستند إلى الدين"، ويظهر هذا المسلك جلياً في تعبير الفتاة المؤمنة عن رغبتها في نكاح "جُليبيب" t مع كراهة والديها لما بلغها أمر رسول الله r بنكاحه، وكذلك أخذ الفتاة الصالحة بحق الخاطب في النظر إليها لما خطبها المغيرة بن شعبة t مع تمنُّع والديها، وتصريح إحداهن جهاراً برغبتها في الزواج، ورفض أخرى الشفاعة في نكاح لا ترغب فيه.
وأبلغ من هذا صور النقد الاجتماعي الذي عبَّر من خلاله بعض الفتيات عن شعورهن المُحْبَط تجاه بعض مظالم المجتمع وأخطائه تجاههن، كتصريح السيدة عائشة رضي الله عنها في خبر حادثة الإفك لما نزلت براءتها، حين أمرها أبو بكر t أن تدنو من رسول الله r لما بدأ الوحي ينزل عليه، وقد يئست من دفاع المجتمع عنها، حيث قالت معبرة عن شعورها وآلامها تجاه المجتمع: "والله لا أمسُّه"، ولما أمرتها أمُّها رضي الله عنها أن تقوم إليه لتشكره قالت: "والله لا أقوم إليه، فإني لا أحمد إلا الله U"، وكذلك الفتاة التي جاءت رسول الله r تُعبِّر عن رفضها للظلم الأسري لما زُوِّجت مكرهة، حيث قالت: "إن أبي زوجني ابن أخيه يرفع بي خسيسته…".
ومن صور التعبير الاستقلالي أيضاً: حرية الاجتهاد في التقليد المذهبي، ويظهر ذلك في نهي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب للسيدة عائشة لما أرادت أن تُكفِّن أباها y في أثواب جديدة، فقالت له: "يا عمر، والله ما وضعت الخُطُمَ على أنُفِنَا، فبكى عمر، وقال: كفني أباك فيما شئت"، فحجَّته رضي الله عنها بحقها في الاجتهاد الشخصي فيما يخصُّها، بل كانت رضي الله عنها ترى أن لها حقاً في التعبير عن رأيها الاجتهادي حتى في المسائل التي لا تخصها بصورة مباشرة، كانتقادها أسلوب أبي هريرة t في التحديث بأخبار النبي r، حيث قالت له مرة: "يا أبا هريرة إذا حدثت عن رسول الله r فانظر كيف تحدث"، ويُنقل شيء من هذا الاستقلال الشخصي في الرأي عن خديجة (ت:930هـ) بنت محمد بن حسن البابي الحلبي، حيث انتقلت إلى مذهب أبي حنيفة ~ٍٍِِ بعد أن كانت شافعية المذهب، رغم أن أباها وإخوتها ما زالوا على مذهب الشافعي.
إن هذه الحرية الاستقلالية في التعبير عن الذات لا تعني مشروعية الوقاحة في السلوك الاجتماعي، أو الخروج عن الآداب والأخلاق المرعية، بل هي وسيلة من وسائل المجتمع لإشباع حاجة الفتاة للتفريغ النفسي، من خلال التعبير عن الشخصية الذاتية بصورة استقلالية مقبولة شرعاً وعرفاً.