إن الشعور بالجسد من أهم عناصر الشخصية المؤثرة فيها، وفكرة الشخص عن ذاته لابد أن تؤثر في سلوكه، فينعكس ذلك "على مشيته، وطريقة وقوفه، وطريقة جلوسه، وحتى على طريقة نومه، وكذلك على حركات يديه، وعلى نبرات صوته"، فيترك ذلك انطباعاً ما عن الشخص في نفوس الناس، فتتأثر بالتالي أساليب معاملتهم له، مما يؤثر بصورة إيجابية، أو سلبية على عقله، ووجدانه، وفكرته عن نفسه؛ فإن "المرء لا يستطيع أن يعزل عواطفه، أو اتجاهاته، أو عاداته في التعامل مع الناس عن حالته الجسمية، فالواقع أن الفكر، والعاطفة، والعلاقات الاجتماعية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بما أوتيه الفرد من صحة واتساق جسمي وحيوية، ولا شك أن كثيراً من اضطرابات الصحة النفسية، وكثيراً من الخلافات التي تقع بين الناس، إنما ترجع في واقع الأمر إلى أسباب جسمية"، فالقلق، والاكتئاب، والشذوذ النفسي ونحوها من الأمراض النفسية كثيراً ما تعود أسبابها، ومبادئ نشوئها إلى آفات، وأمراض جسدية، فالعاهة الجسدية لها تأثيرها السلبي البالغ على شخصية الإنسان، خاصة في فترة الشباب، التي يُدرك فيها المعاق قصوره، وتخلُّفه بصورة أكبر، في الوقت الذي تكون فيه الذات الجسدية محور اهتمامات الشباب ومجال إعجابهم وتنافسهم، حتى إن مجرَّد التغيرات الجسمية الطبيعية المصاحبة للنمو تزعجهم نفسياً؛ لخوفهم من تشوُّه صورهم الجسدية، وهذا أبلغ ما يكون عند الفتيات المتجهات نحو كمال النضج؛ فإن "لصورة الفتاة، ومفاتن الأنوثة في جسمها، ورشاقة وأناقة شكلها تأثيراً كبيراً على تكوينها النفسي والعاطفي، وعلى ركائز شخصيتها الأساسية"؛ بل إن مجرَّد تقدم نضج الفتاة الجسمي، أو تأخره عن قريناتها في نفس السن يمكن أن يسبب لها نوعاً من المعاناة النفسية والاجتماعية.
إن هيئة الجسم في حد ذاتها تمثل بالنسبة للفتيات -خاصة- مشكلة نفسية؛ إذ يصعب عليهن تصور أجسادهن بصورة صحيحة، وينخفض عندهن بصورة عامة الرضا عن حجم وشكل أجسادهن، وتؤثر السمنة البدنية تأثيراً كبيراً في إرهاقهن نفسياً، ويزعجهن دَكَانَة لون البشرة، وعدم تناسق الأسنان، وضعف النطق، مما قد يسوقهن إلى شيء من الانعزال الاجتماعي.
وأخطر من هذا على نفس الفتاة: استئصال عضو منها، خاصة الأعضاء الأنثوية الظاهرة، فإن لهذه الإعاقات الجسمية والتشوهات الخلْقية: تأثيراً بالغاً على توافقها النفسي والاجتماعي؛ لأنه يهدم جانباً مهماً من مقومات شخصيتها الإنسانية، التي تُريد منها بصورة دائمة لأن تكون موضوعاً جنسياً جديراً بالإعجاب، وأرذل من هذا: اعتقاد الفتاة قبح شكل ذاتها، وصورتها الجسمية، من خلال توهمها لهذا الأمر، أو من خلال تعامل الآخرين معها، وتعليقاتهم عليها، بل إن نوع الاسم والكنية التي تُعطى لها من خلال الوسط الاجتماعي: كافية للتأثير على رؤيتها لنفسها، وقد صرَّح جمع من الشباب بمعاناتهم النفسية من سماعهم لأسمائهم، لهذا كثيراً ما يسعون إلى تغييرها، وقد أشارت إحدى الإحصائيات إلى أن ألوفاً من المواطنين في المملكة العربية السعودية -بسبب الحرج الاجتماعي- غيَّروا أسماءهم، غالبهم كان من النساء، ولعل هذه المعاناة من الأسباب التي دعت رسول الله r لتغيير أسماء جمعٍ من النساء والفتيات في زمنه.
إن نظام الإسلام الاجتماعي ينكر ابتداء كل صور وأشكال الاستهزاء والسخرية بين الأفراد أو الجماعات، وينهى عن التَّعيير بالقبائح، وفي الحديث:( لا تُظهر الشَّماتة لأخيك فيرحمه الله ويبتليك"، ويرفع -في نفس الوقت- من معنويات المصابين في أبدانهم، كقول الرسول r لمن ابتُلي بفقد البصر:(إن الله قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر، عوضته منهما الجنة), وقوله عليه الصلاة والسلام للمرأة التي ابتُليت بالصَّرع:(إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك), فيفتح بذلك للمعاقين باباً من الأمل الغيبي، ويُعيد بناءهم النفسي من جديد حتى لا يفقدوا ثقتهم بأنفسهم، فيصبحوا -مع ما هم فيه- عبئاً نفسياً مزعجاً للمجتمع.
إن من واجب المجتمع تجاه الفتاة المعاقة جسدياً: مساعدتها على أن تتقبل إعاقتها الجسمية، وما ينتج عنها من قصور ونقص بصورة أكثر واقعية، مع إعانتها على التغلب على نظرة الجماعة المؤلمة نحوها، وذلك من خلال إتاحة فرص التعليم بأنواعه، ودمجها بصورة كاملة في الحياة الاجتماعية، فقد تكون الإعاقة الجسمية للبعض حافزاً محركاً للتعويض عن النقص، واستدراكه بصورة أكثر إيجابية.
وأما نواقص الجسم من فرط السمنة، ودمامة المنظر، وشحوب اللون، وعَسَر اللسان، ونحوها من النواقص البدنية: فما أمكن علاجه بغير ارتكاب محظور شرعي فلا بأس به؛ فإن في أنواع الغذاء وطريقة تناوله، وفي شيء من الرياضة البدنية المناسبة: فوائد صحية كبيرة، يمكن أن تصلح أو تحسِّن كثيراً من هذه المعايب الجسمية المزعجة، وأما ما تعجز الفتاة عن إصلاحه من عيوب جسمها فإنه لا يُصيبها من جرَّاء ذلك همٌّ، ولا حَزَنٌ، ولا غمٌّ، ولا تعبٌ: إلا كان تكفيراً عن خطاياها، ورفعاً لمنزلتها، وتكثيراً لحسناتها ما دامت راضية، صابرة على ذلك؛ فإن في الرضا بالقضاء والقدر سلوى من كل مكروه.
وإن مما يغفل عنه كثير من الناس، وتجدر الإشارة إليه: تلك العلاقة القوية بين باطن الإنسان، وظاهر بدنه، فإن ما يجري في القلب من خير أو شر، أو ظلمة أو نور: لابد أن يسري منه نصيب على محيا الإنسان وظاهره، فيكسبه ذلك حسناً وجمالاً، حتى وإن كان في أصل خلْقته دميماً، أو يكسبه قبحاً وشيناً، حتى وإن كان في أصل خلْقته جميلاً، وفي هذا يقول ابن عباس {: "إن للحسنة لنوراً في القلب، وضياء في الوجه، وقوة في البدن، وزيادة في الرزق، ومحبة في قلوب الخلق، وإن للسيئة لظلمة في القلب، وغبرة في الوجه، وضعفاً في البدن، ونقصاً في الرزق، وبغضة في قلوب الخلق"، فهذا باب واسع للفتاة الصالحة -مهما كانت دميمة- فلا تيأس من حسن الظاهر، وفي نفس الوقت تحذير للفتاة المفرِّطة- حتى وإن كانت جميلة- فلا تغترَّ بجمال الخلْقة، وسلامة المنظر.