القراءة عملية عقلية متكاملة متداخلة بين الفرد والمعلومات الرمزية التي يتلقاها عن طريق العين, والتي تتطلب ربطاً بين معاني هذه الرموز والخبرة الشخصية, بحيث تعمل القراءة في وقت واحد عمليتين متصلتين, الأولى: ميكانيكية فسيولوجية تتضمن الاستجابة للرموز المكتوبة, والأخرى: عقلية ذهنية تشمل التفكير والاستنتاج لهذه الرموز والأحرف المكتوبة.
وشأن القراءة في التصور الإسلامي شأن عظيم, فأقل ما فيها أنها أول أوامر الله تعالى نزولاً, فهي بذلك أوسع أبواب المعرفة الإنسانية التي لا يمكن أن يستغني عنها الفرد في وقت من الزمان, وما من أمة يُهمل أهلُها القراءة إلا اضمحلت ثقافتها.
إن الأزمة الثقافية التي تعاني منها الأمة الإسلامية المعاصرة تعود في غالبها إلى ضعف العلاقة بالكتاب, والذي كان نتاج أساليب وطرائق التعليم, والعادات الاجتماعية الضارة التي اعتادها الشباب من الجنسين, إلا أن المشكلة تبقى في الذكور أكبر منها عند الإناث كما دلت على ذلك بعض البحوث العلمية, فهنَّ -في الجملة- أكثر إيجابية تجاه القراءة, ولا سيما في المرحلتين الابتدائية والإعدادية.
إن من القضايا التربوية المهمة في هذا المجال: أن القراءة ليست أمراً فطرياً يولد مع الفتاة؛ وإنما تُقاد إليها من خلال التربية والتدريب, فما ينبغي أن تصل الثانية عشرة من عمرها, إلا وقد أتقنتها كأحسن ما يكون, وعند هذه السن بالذات يمكن تكوين عادة القراءة الحرة بصورة جيدة, وتحقيق ذلك يتم من خلال وسائل:
منها: تشجيع الفتاة على القراءة بالحوافز المختلفة, المادية منها والمعنوية, ضمن البيئة العلمية المناسبة, المُعينة على القراءة والاطلاع, يقول ابن حجر العسقلاني حاكياً عن أخته ست الركب (ت798هـ) : "مات أبوها وهي صغيرة, فنشأت نشأة حسنة, وتعلَّمت الخط, وحفظت الكثير من القرآن, وأكثرت من مطالعة الكتب, فمهرت في ذلك جداً, بحيث كان يظن من يراها تقرأ من الكتاب أنها تحفظه لجودة استخراجها", فرغم وفاة أبيها وهي صغيرة, وكون ابن حجر نفسه أصغر منها بسنوات: استطاعت من خلال البيئة العلمية الصالحة،ووفرة الكتب أن تنبغ في ذلك جداً, دون مساعدة كبيرة.
ومنها: تعويد الفتاة على الاستماع, ويٌقصد بالاستماع: الإنصات؛ فإن التَّعلُّم في أصله يبدأ بالاستماع, ثم الكلام, ثم القراءة, ثم الكتابة, وبقدر الإتقان في هذه المراحل, وإعطاء كل مرحلة حقها من التعليم والتدريب: تنجح الخطوة التعليمية التي تليها, والاستماع كخطوة أولى أمر مهم؛ إذ هو وسيلة الفتاة إلى المفردات اللغوية التي تُعد مادة القراءة الضرورية الأولية.
ومنها: تدريب الفتاة على القراءة السريعة مع النُّطق الصحيح, بحيث لا تقل سرعة قراءتها في المتوسط العام عن (240) كلمة في الدقيقة؛ فإن البطء في القراءة من أعظم أسباب النفور منها, وهو غالباً ما يصيب الاكتئابيين, والمتخلفين عقلياً, ومن لديهم صعوبات في التعلم, ووسيلة الفتاة لتوقي هذه السلبيات يكون من خلال الاستماع المنتظم لقراءتها تحت إشراف الأسرة بصورة مستمرة, فقد أثبتت هذه الوسيلة نجاحها في تحقيق تفوق التلاميذ من الجنسين في القراءة.
ومنها: توفير الكتب الدينية, فإن الشباب من الجنسين في هذه المرحلة يميلون نحو الوسائل الإعلامية المطبوعة, ويفضلون منها الكتب الدينية بصورة خاصة, فقد أطبق كثير من الدراسات على وجود ميل واضح عند الشباب عموماً -خاصة عند الفتيات- نحو القراءة في المجال الديني, ولعل ذلك يرجع إلى تطلُّعهم الإيماني في هذه السن من جهة, وإلى السكون النفسي الذي تحدثه القراءة عادة في نفس القارئ من جهة أخرى, وكلا الأمرين يدخلان ضمن حاجات الشباب من الجنسين في هذه المرحلة من العمر.
ومنها: توجيه الفتاة إلى قراءة القرآن الكريم؛ فقد ثبت أن لقراءته أثراً إيجابياً واضحاً على مهارة القراءة العامة عند التلاميذ, إضافة إلى فضله, وعظيم أجر قارئه؛ إلى جانب أن للغة العربية أثراً إيجابياً على الناحية العقلية, يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "تعلموا العربية فإنها تُنبت العقل, وتزيد في المروءة".