إن المرأة بفطرتها عورة, تميل إلى التخفي والاستتار حتى إن الموهوبات من الإناث لا يستخدمن كامل إمكاناتهن العلمية للبروز والتفوق, معتقدات أن الاشتهار بالنجاح يناقض معايير المجتمع, ويعارض طبع الأنوثة المسْتكين المسْتتر, فالمرأة إن أرادت أن تسير سير الرجال في العلوم والفنون والآداب فإنها تجني غالباً عداوة المجتمع من الجنسين؛ ولهذا كان بعض المؤلِّفات من النساء يتخفَّيْن في إنتاجهن العلمي بأسماء مستعارة, وما زال كثير منهن ينهجن هذا الأسلوب حتى اليوم, وربما اكتفى الناس بكنى النساء دون التصريح بأسمائهن في الحياة العامة, حتى إن بعض الكتب المدرسية وقصص الأطفال تُغفل العدل - بصورة عفوية - في تكرار صور الإناث مقابلة بتكرار صور الذكور؛ لكونهن بالفطرة متأخرات مستترات حتى وإن كانت بعض المجتمعات المنحرفة تبرزهن جسدياً عبر وسائل مختلفة للفتنة والإغراء, وتُهملهن عقلياً بالجهل والخرافات.
والمتأمل في حال نقلة العلم من النساء عموماً, ومن الراويات في الكتب الستة خصوصاً يجد: أن نحواً من (20%) منهن مجهولات العين غير معروفات, رغم أن عددهن الإجمالي لا يزيد عن (301) محدثة, في حين لا تزيد نسبة المجهولين من الرجال من رواة هذه الكتب عن (2%) رغم أن عددهم يصل إلى (8525) محدثاً, وفي دراسة موسوعية لرواة الحديث جرحاً وتعديلاً أورد المؤلف أسماء النساء في قسم يسير, ثم أورد منهن (141) امرأة غالبهن إن لم يكن كلُّهن مجهولات, لا يُعرف لهن حال، في حين أورد قريباً من أربعة مجلدات في أسماء الرجال من الرواة، ليس فيهم سوى (88) رجلاً مجهولاً، ومن الأمثلة على ذلك عند المحدثين ما قاله الإمام ابن ماجة رحمه الله: "حدثنا محمد بن يحيى، ثنا أبو مسلمة، حدثنا حبابة ابنة عجلان عن أمها أم حفص، عن صفية بنت جرير، عن أم حكيم بنت ودَّاع الخزاعية, قالت: سمعت رسول الله r يقول: دعاء الوالد يفضي إلى الحجاب", ثم قال البوصيري معلِّقاً على سند هذا الحديث: "لم يخرج ابن ماجة لأم حكيم غير هذا الحديث, وليس لها رواية في شيء من الخمسة الأصول, وإسناد حديثها فيه مقال, جميع من ذكر في إسنادها من النساء, لم أرَ من جرحهن, ولا من وثَّقهن"، ومن الأمثلة أيضاً خفاء حال التابعية "بُهيَّة" على الإمام الجوزجاني, حتى ظنَّ أنها رجل, وقال عنها مرة: "سألت عنها كي أعرفها فأعياني".
وقد أشار ابن أبي الوفاء الحنفي إلى هذه المسألة من أحوال النساء حين ترجم لبعضهن فقال: "هذا كتاب أذكر فيه من وقع لي من العلماء النساء من أصحابنا, ولم يقع لي إلا القليل جداً, ولا شك أن مبنى حال النساء على الستر"، وقد عبَّر أحد الباحثين في الحديث عن هذه الحقيقة بقوله: "الراويات من النساء قليلات, وكثير منهن لا تقف لهن في تراجمهن على أكثر من ذكر أسمائهن", وقال أيضاً: "يقل في النساء من روين الحديث, ويقل فيمن رواه منهن من عُرفن", وكل هذا يدل على أن حال النساء -حتى عند التفوق- على السِّتر, مما قد يكون سبباً مساعداً على شيء من تخلفهن العلمي.