36ـ اهتمامات الإناث العقلية وأثرها في ضعف إنتاجهن العلمي

يحاول البعض إرجاع قصور المرأة، وقلة نبوغها العقلي إلى طبيعة الظروف الاجتماعية التي قهرتها -حسب زعمهم- وحالت دون تفوقها، مغفلين اختلاف مجالات التفوق بين الرجل والمرأة، فليس بالضرورة أن تكون مجالات تفوق النساء واهتماماتهن هي عين مجالات تفوق الرجال واهتماماتهم، فإن هناك اختلافاً بيِّناً في طبيعة الاهتمامات العقلية بينهما؛ فهذه السيدة سودة بنت زمعة رضي الله عنها تعيش مع رسول الله r  الفترة المكية والمدنية، وقد تزوج بها، ثم لا تروي عنه شيئاً، وهذه فاطمة الزهراء رضي الله عنها، بنت رسول الله r، لا يكاد يذكر لها في باب العلم شيء، حتى إن رواياتها في مسند الإمام أحمد لا تصل العشرة، رغم أنها رافقت رسول الله r  حتى وفاته، وهذه أيضاً أمامة بنت أبي العاص رضي الله عنها، التي كان يحملها الرسول r  أحياناً في الصلاة، ثم تزوجها علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومع ذلك لم ترو شيئاً، رغم أنها تُوفيت في زمن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما, وكذلك حال فاطمة بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنهما لا تحفظ -هي الأخرى- عن أبيها شيئاً, وكذلك فاطمة الخزاعية رحمها الله تعالى تُدرك عامة رجال العلم والفضل من أصحاب رسول الله r : فلا تُسجَّل لها في الكتب الستة رواية واحدة, والعجيب أن تتفرغ السيدة عائشة رضي الله عنها للتحديث والتعليم، فيكون عدد الذين رووا عنها من الرجال عشرة أضعاف الراويات عنها من النساء, ثم تُدرك النساء جمعاً من أخواتهن التابعيات من المحدِّثات فيكون عدد الآخذين عنهن من الرجال أكثر من الآخذات عنهن من النساء بأربعة عشر ضعفاً, وهذا الإمام أحمد بن حنبل يعيش التفوق العلمي في القرن الثالث المفضَّل, فيأخذ عنه الرجال رواية الحديث, ثم لا يكون بينهم امرأة واحدة, فمن الظلم "أن يُقال: إنها قد تخلَّفت في هذا المجال لأن الرجل قد حجر عليها, وقيَّدها بما يُرضي هواه دون ما يُرضي ملكاتها وأذواقها"؛ فإن المعرفة الصحيحة يصعب كبتها؛ لأن للعلم في نفس صاحبه سورة قاهرة يصعب عليه ضبطها مهما كانت شدة عزمه, وقلة ريائه, فلا بد من ظهور علمه في صورة من الصور.

وفي العموم فإن المرأة مهما بلغت من العلم والمعرفة فإنها لن تتفوق على عنصر الرجال قاطبة, بل إن المتفوقة منهن لا تستطيع -في الغالب- أن تنافس الرجل المتفوق وتتقدم عليه، فضلاً عن أن تتقدم على جميع المتفوقين من الرجال؛ بل إن تقدمها في صناعة عقلية: نادر وقليل؛ ولهذا لا نكاد نجد للمرأة عبر التاريخ إنجازاً فكرياً في الحياة العامة يضاهي إنجازات الرجل؛ لذا فإن تنافسها مع الرجل في النشاط الفكري -مجال تفوقه- لن يعود عليها بالنصر مهما حاولت؛ لأن "أساس المرأة في الطبيعة أساس بدني لا عقلي, ومن هذا كانت هي المصنع الذي تُصنعُ فيه الحياة, وكانت دائماً ناقصة لا تتم إلا بالآخر الذي أساسه في الطبيعة شأن عقله, وشأن قوته البدنية"؛ ولهذا يُلحظ غلبة الجانب الحسيِّ عندهن أكثر من غيره؛ بل حتى الذين يحاولون أن يسجلوا للمرأة شيئاً من الإبداع الفكري: يندفعون بغير قصد نحو الجانب الحسي فيهن, في وصف جمالهن, وعذوبة أقوالهن, ولطافة سلوكهن, دون ذكر شيء ذي بال فيما يتعلق بالنواحي الفكرية, فلا يُستغرب - بناء على هذه الطبيعة الأنثوية- أن تتأخََّر عضوية أول امرأة في تاريخ الأكاديمية الفرنسية إلى عام 1980م.

ومن هنا فإن المقابلة العقلية التنافسية بين الجنسين مقابلة فاسدة في أصل الأمر؛ لأن المقابلة لا تكون إلا بين متماثلين, فاتهام المرأة بالانحطاط العقلي لتفوق إنتاج الرجل عليها: يشبه اتهام الرجل بالقصور لعدم قدرته على الحمل والرضاعة, مما يشير -في الجملة- إلى اختلاف الاهتمامات العقلية بينهما, والمبنيَّة على اختلاف الخلْقة والتكوين, وبالتالي اختلاف توجهاتهن العقلية, ومستويات إنتاجهن الفكري؛ لذا فإن المرأة المتفوقة عقلياً إذا أرادت أن تمارس نبوغها، وتعرض فكرها فلن تجد له سوقاً رائجة إلا بين الرجال.