إن نظام الإسلام في التربية العقلية يحث على العلم والتعليم، ويرفع منزلة أهل العلم مادام العلم نافعاً صالحاً، وأما إن كان عبثاً فإن رسول الله r كان يدعو فيقول: "اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، وعمل لا يرفع، وقلب لا يخشع", فالجمع بين العلم والاعتبارات الخلقية، هو بالذات مقتضى مبدأ العلم النافع عند الأخلاقيين المسلمين، فالعلم النافع هو ما كان باعثاً على العمل، ولا عمل صالح بغير علم نافع"، ومن هنا فإن العقل المسدد هو الذي اهتدى إلى معرفة المقاصد النافعة الصالحة، فالمعرفة العابثة التائهة مرفوضة في التصور الإسلامي؛ لأن قيمة "العلم تكمن في مدى فائدته في بناء الإنسان بحيث يكون قادراً على عمارة الأرض، وترقيتها في حدود منهج الله"، فالمعرفة مرتبطة بالعقيدة من جهة توجهها إلى الخير، فلا بد أن تنسجم مع الفكر الإسلامي المنبثق عن هذه العقيدة من جهة: المنهج، وطرق التدريس، ومبدأ الإباحة، وأن تكون واقعية لا خيالية، ينتفع بها صاحبها ويهتدي، بحيث تصقل مواهبه، وتشبع ميوله، وتوسع مداركه، وتخدم المجتمع، وتدفعه إلى الأمام.
إن أعلى مراتب المعرفة الإنسانية: المعرفة بالله تعالى، وما يتعلق بجلاله وصفاته سبحانه وتعالى، ثم المعرفة بشريعته وأوامره، ثم المعرفة بالنفس وطرق تهذيبها، وتربيتها، وأخيراً معرفة الإنسان بالحياة وما حوله من المتغيرات المختلفة، وما يدخل في ذلك من تجارب الأمم والشعوب، والأبحاث العلمية المختلفة ونحوها، مما يتعلق بمصالح العباد في الحياة الدنيا.
والفتاة المسلمة تتعلم من هذه العلوم المتنوعة ما يعود عليها بالنفع والفائدة، ولا يُخرجها عن طبيعتها وأنوثتها، ووظيفتها في الحياة، يقول القابسي: "وأما تعليم الأنثى القرآن والعلم فهو حسن ومن مصالحها، وأما تعلم التَّرسُّل والشعر وما أشبهه، فهو مخوف عليها، وإنما تُعلَّم ما يُرجى لها صلاحه، ويُؤمَن عليها من فتنته"، ويقول المحاسبي: "والأصْون الكفُّ عن ما نهى عنه، مما يسع جهله، ولا يؤدي علمه إلى القربة، بل ترك البحث عنه هو القربة والوسيلة إلى رضا الله عز وجل".
وقد تعرَّض منهج التربية العقلية للفتاة المسلمة إلى هجمات شديدة من أهل التغريب، وموجات رخيصة من الفلسفات المنحرفة، التي تمثل تلوثاً فكرياً أشد وأخطر من التلوث البيئي الذي يحذرُهُ العالم، وتحقق ما أشار إليه رسول الله r من انتشار علومٍ منحرفة تنافس معارف القرآن العظيم، دون أن تجد في المجتمع من يقاومها، أو ينكرها، فقد انتشر بين المسلمين الحث على تعليم الفتيات التمثيل الفاضح، والغناء الماجن، والعزف الموسيقي، والرقص المختلط، ضمن مناهج تعليمية، ومعاهد متخصصة، حتى إن إحداهن تُوصي في بحثها العلمي بكل جراءة بضرورة: "الاهتمام بإدخال أنواع الرقص المختلفة ضمن مناهج التربية الرياضية في المراحل التعليمية المختلفة للبنات... حتى يمكن الإسهام في التنمية الشاملة والمتزنة للشخصية، والتي تنادى بها التربية الحديثة الآن".
إن على الفتاة المسلمة أن تدرك أن هناك علوماً مباحة يجوز لها كما يجوز للفتى تعلمها، وأن هناك علوماً أخرى لا يجوز لأحد - ذكراً كان أو أنثى - تعلمها، بغض النظر عن ظهور الحكمة من الإباحة أو التحريم؛ فإن المسلم مذْعِنٌ طائع، ولو لم تنكشف له الحكمة التشريعية في المسألة، فلا بد أن يكون هذا الفهم واضحاً في ذهن الفتاة وهي تتعامل مع المعارف والعلوم المنتشرة من حولها فلا تنتقي منها إلا النافع المفيد، ولا بد للمؤسسة التعليمية أن تكون عوناً للفتاة على تحقيق هذه المصلحة الشرعية العظيمة.