هناك ثلاثة ضوابط يمكن من خلالها التحكم في معارف الفتاة, وتحديد الجائز منها والممنوع على النحو التالي:
الضابط الأول: سلامة المعلومة, بحيث تتعلم الفتاة من العلوم ما شاءت مادامت في أصلها مباحة, فلا يحدُّها في تعلُّم علمٍ ما إلا ما يحدُّ المؤمن بصورة عامة, فقد تعلم كثير من نساء السلف علوماً لا علاقة لها بعنصر الإناث, "فالتعليم عنصر ينبغي أن يدخل في كل منحى من مناحي الحياة, ويتداخل مع كل عنصر أو مظهر من مظاهر عملية الهداية".
الضابط الثاني: سلامة الوسيلة، بحيث تسلم وسيلة نقل المعلومة إلى الفتاة, وطريقة عرضها من الحرمة أو الكراهة التي تفضي إلى المنع منها سداً للذرائع المفضية للممنوعات؛ لأن "للوسائل أحكام المقاصد من الندب والإيجاب, والتحريم والكراهة, والإباحة", بحيث لا يبرر شرف المعلومة قبح وسيلة نقلها.
الضابط الثالث: سلامة الهدف, بحيث يجتمع لسلامة المعلومة وسلامة وسيلة نقلها: سلامة الهدف من تعلمها, فالعلوم الطبيعية مادامت منحصرة في جانبها النظري, دون جانبها التطبيقي الميداني -الذي لا يناسب عادة طبيعة الإناث- فإنها مباحة, ومن الصعوبة بمكان القول بالتحريم أو حتى الكراهة, بل ربما كان القول بالاستحباب أقرب؛ لأن الانتفاع بالكون, والاستفادة بما فيه من الآيات الباهرات: أمر مشاع بين الجنسين, يحقق لكليهما -بدرجة واحدة- المقصود من النظر والتفكر الذي أمر الله تعالى به في قوله: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [ آل عمران:190]، كما أن الذم المضروب على الغافلين من تاركي التفكر: يلحق المفرِّط من الجنسين معاً, ولعل أقلَّ انتفاع يحصل للمطَّلع على هذه العلوم هو اللذة, فإن الاطلاع على المعارف من أعظم ملذات الدنيا.
ومن هنا فإن الاختلاف بين الجنسين لا يكمن في مبدأ العلم بهذه المعارف الكونية والاستمتاع بها؛ وإنما الاختلاف بينهما يكمن في أسلوب التسخير الكوني -الذي كلَّف الله به الإنسان- فالذكور يشملهم جانبا التسخير: النظري والعملي؛ لكونهم مهيئين جسمياً وعقلياً لذلك, وأما الإناث فيشملهن الجانب النظري الذي يملن إليه طبعاً؛ لكونهن مهيئآت لذلك عقلياً كالذكور, وأما الجانب العملي؛ فلاختلاف طبيعة مهمتهن في الحياة الإنسانية, يكون دورهن في التسخير الكوني غير مباشر؛ إذ هن المورد الوحيد لأدوات التسخير -الذكور- من العنصر البشري, فكلا الجنسين -بهذا الفهم- يشتركان في التسخير الكوني, كل حسب نظام هدايته كما قال الله تعالى: {...الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه:50], أي: "خلق الخلق, وقدر القدر, وجبل الخليقة على ما أراد, فهم ماشون على ذلك لا يحيدون عنه", وقد أثبتت بعض الدراسات الميدانية تفوقهن التحصيلي في مجالات العلوم التطبيقية والرياضيات مادامت هذه العلوم منحصرة في جانبها النظري دون العملي, فليس كل من تعلم هذه العلوم من الفتيات يرغبن في ممارستها ميدانياً.