9ـ تأكيد المنهج التعليمي على طبيعة الفتاة الجنسية

لا يكاد يوجد مجتمع -بدائي أو متخلف- عبر التاريخ البشري لم يطبق نظماً تربوية خاصة بالإناث، إلا أن يكون شيئاً يُنقل عن بعض الأمم اليونانية, فإلى عهد قريب كان تعليمهن يختلف عن تعليم الذكور, ولم تُعرف الجرأة في الدعوة إلى توحيد مناهج الجنسين الدراسية من بعض المنتسبين إلى التربية إلا في العصر الحديث, رغم الواقع التاريخي، والطبيعة الفطرية التي تفرض نفسها على منهج التربية.

وقد أثَّر التطبيق العملي لهذا التوجه المنهجي الموحَّد في تعديل بعض السمات الجنسية, والاتجاهات النمطية للدور الاجتماعي لكل جنس, إلا أنه -مع ذلك- مازالت هناك فروق فطرية جوهرية تفرض نفسها على سلوك الجنسين, وتدفع بالمربين بطريق غير مباشر نحو تنميط الأدوار الاجتماعية بين الفئتين, مما يدل على أن الاختلاف بينهما لا يرجع فقط للظروف البيئية التي يفرضها منهج التربية؛ بل تشترك في ذلك العوامل البيولوجية بصورة قوية, من خلال طبيعة التركيبة الكيميائية, والهرمونات الأنثوية الخاصة, وطبيعة الجهاز العصبي, والتركيب الجسمي, الذي يفرض بمجموعه على الأنثى طابع جنسها, الذي يحتم -بالتالي- على منهج التربية شروطاً, ومواصفات تلائم هذا الطابع المتميِّز.

وقد أشارت مجموعة من البحوث العلمية الحديثة إلى وجود اختلافات واضحة بين الجنسين في طبيعة وسرعة نمو القدرات العقلية, والجسمية, والجنسية, والنفسية, واللغوية, ومن المعلوم أن من أسس المناهج وضرورياتها توافقها مع مستوى النضج لجوانب شخصية المتعلم وقدراته المختلفة, مما يُحتِّم على منهج التربية أن يراعي ذلك, فيضع المنهج الذي يتناسب ويتوافق مع طبيعة نمو هذه القدرات المختلفة عندهن, حتى تظهر قدراتهن الخلاقة, وتنمو من خلال حساسيتهن وطباعهن الأنثوية, تماماً كما تظهر قدرات الفتيان الإبداعية من خلال طباعهم الذكورية, واستقلالهم الشخصي, وفي هذا المجال يقول "روسو" عن اختلاف الجنسين: "وما نعلمه علم اليقين أن ما بينهما من قسط مشترك إنما هو مستمد من اشتراكهما في النوع البشري, وأن ما بينهما من اختلاف إنما هو راجع إلى اختلاف الجنس, ومن هذين الوجهين نجد صلات كثيرة, وتناقضات كثيرة أيضاً, ولعله من أعظم آيات قدرة الخالق المبدع أنها صنعت كائنين فيهما كل هذا التشابه, وكل هذا التباين في آن واحد".

وبناء على هذا الطبع الفطري الضروري للجنسين: جاء التوجيه النبوي موافقاً لهذه الفطرة من جهة, ومحذِّراً من تداخل سلوكهما من جهة أخرى, فقد صح عن الرسول r أنه " لعن المذكَّرات من النساء, والمخنثين من الرجال", حتى في مجرَّد الملابس؛ لكي يبقى لكل جنس طبعه الخاص المميِّز, فأي منهج للتربية يتبنى تداخل الأدوار السلوكية بين الجنسين, فإن الإخفاق مصيره المحتوم بدعوة رسول الله r, وبمخالفته للفطرة البشرية السوية.

ومن هذا المنطلق أجمع كثير من المربين على ضرورة اختلاف مناهج التربية بين الجنسين في المرحلتين الإعدادية والثانوية, ووقع الخلاف بينهم في المرحلتين الأخريين: الابتدائية والجامعية؛ لأن اختلاف النمو بينهما -كما يرون- ينحصر في هذه الفترة, والصحيح أن الاختلاف بينهما يبدأ قبل المرحلة الإعدادية, فإن بلوغ الفتاة قد يبدأ من التاسعة, وإرهاصاته تسبق ذلك بيسير, والمنهج التربوي الإسلامي يتعامل بصورة مختلفة مع الذكورة والأنوثة من لحظات الحياة الأولى في: ذبح العقيقة, وأحكام الإرث, والختان, والطهارة, ونحوها, واتحاد الجنسين في منهج تربوي واحد في المرحلة الابتدائية لن يهيئ كل جنس لطبعه المناسب, ودوره المرتقب, حتى يفجأهما البلوغ بتكاليفه المتنوعة والمتباينة, كما أن هذه التكاليف لا تنحطُّ دفْعة واحدة على الفتيات عند البلوغ؛ بل يتربين عليها قبل ذلك بزمن, ويتهيَّأن لها, فإذا حصل البلوغ كنَّ مستعدات علمياً ونفسياً وعقلياً للتكليف, وما يترتب عليه من أحكام وآداب خاصة بهن, كما أن من المستقبح المخْجل أن يطَّلع الفريقان قبل البلوغ على المعلومات المحرجة والخاصة بكل جنس.

إن هذه المسوغات ونحوها تجعل من المؤكَّد ضرورة اختلاف المناهج التعليمية بينهما على كل حال, وألا يكتفي المنهج بسطحية الاختلاف دون الجوهر كما هو واقع مناهج بعض البلاد الإسلامية للأسف.

ولا ينبغي أن يُفهم من ضرورة وجود هذا الاختلاف في طبيعة المنهج التعليمي أنه الحطُّ من عنصر الأنوثة, أو إظهارها في أدوار مشينة كما يظهر للبعض؛ ولكن المقصود إبراز تساوي القيم الذكورية والقيم الأنثوية دون مطابقتهما, بحيث يُبنى المنهج ليحقق في الفتاة ما به كمال الأنوثة, فتعلو بها إلى أسمى مراتبها؛ لأنها لا تكمل إلا بكمال أنوثتها, كما يجنبها من جهة أخرى أن تنحط بضعف الأنوثة, لتبقى قابعة في المستوى الغريزي الحيواني, أو أن تنهج المسلك الاسترجالي المستقبح, وفي كليهما ضلال الأنثى وهلاك المجتمع.