8ـ توجيه الطفل للدعوة إلى الله

8 - توجيه الطفل للدعوة إلى الله

إذا تعرف الولد على أوضاع الأمة، وما أصابها من نكبات وجهل، وفقر، وغير ذلك من المصائب، فإن واجب الدعوة إلى الله هو الحل الوحيد والأمثل لهذه المصائب، وباستمرار الأب في توعية الولد الكبير بهذه الأحوال مع توجيهه إلى أهمية التعريف بهذا الدين من جديد: يزرع في نفس الولد حب الدعوة إلى الله، فيسأل أباه كيف يعمل ليغير هذا الواقع؟ وما هو السبيل لإرضاء الله في هذا الجانب؟

وإذا صدر من الولد مثل هذا الميل، وهذا الحماس، وجب على الأب أن يسارع في ربطه بسلك الدعوة والدعاة من علماء الأمة وشبابها، ولا يتهاون في ذلك، فإن إشغال الولد بجانب الدعوة إلى الله والإرشاد والتوجيه للناس يكون فيه ربط له بالناحيه الاجتماعية، إلى جانب إشغال وقته بالمفيد النافع.

ولا بد أن ينطلق الأب مع ولده من منطلقات أساسية قوية حول بعض المفاهيم المتعلقة بالدعوة إلى الله، إذ إنه ليس كل متحمس للدعوة يصيب الأسلوب الصحيح والمنهج القوي، فقد يقع في إفراط أو تفريط، أو جفاء أو غلو.

وأهم هذه القضايا الأساسية في مفاهيم الدعوه إلى الله بعد إخلاص النية والقصد، وسلامة الطوية، مسألة الحكمة في الدعوة، وتجنب الغلظة والشدة، وذلك لقوله U: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [النحل:125]، وقد تقدم قول الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله في أهمية الرفق في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويقول ابن مسعود رضي الله عنه مبيناً الطريق لأسر قلوب الناس: "جبلت القلوب على حب من أكرمها، وبغض من أهانها"، فإذا عرف هذا الأصل العظيم اهتم الأب بتوجيه ولده نحو الأخذ به، والعمل بموجبه، مع إفهامه أن الغلظة والشدة لا تكون إلا للمجاهر بالفسق الداعي إلى الضلالة بعد إقامة الحجة عليه ودعوته بالحسنى؛ فيتربى الولد على المنهج الصحيح في أسلوب الدعوة إلى الله، فلا يبلغ سن الرشد إلا وقد تمكن حب الدعوة إلى الله في قلبه وامتزجت بدمه وروحه.

وينبغي أن يفهم أن التعامل مع أهل الكتاب، أو غيرهم من الكفار المستأمنين من الذين يعيشون بين المسلمين في ديارهم لهم حق في أن يعاملوا بالحكمة أيضاً، وأن يجادلوا بالتى هي أحسن، كما قال الله تعالى: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [العنكبوت:46]، فإن لم يكونوا من الظالمين المحاربين وجبت دعوتهم إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة دون غلظة أو خشونة مع الدعاء لهم وإقامة الحجة عليهم رجاء وطلباً لهدايتهم مع دوام بغضهم في القلب لكفرهم، وقد نقل الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق إجماع الأمة على جواز معاملة الكفار المستأمنين معاملة حسنة بقصد هدايتهم إلى الخير، وهذه المعاملة لا تنقض أصل البراءة منهم فيقول: "ومن الأمور التي لا تنقض أصل البراءة من الكفار أيضاً مجاملة الكافر المعاهد والذمي والمستأمن والإحسان إليه، والأصل في هذا هو قوله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة:8]، ويدخل في البر بهم عيادة مرضاهم، واتباع جنائزهم، وقبول هداياهم والإهداء لهم، تهنئتهم في الأفراح، وتعزيتهم في الأحزان ومساعدة فقرائهم والمحتاجين منهم، وزيارتهم في منازلهم، وقبول دعوتهم، والدعاء لهم بالهداية، ونحو ذلك، وهذا مما أجمع عليه المسلمون ولا مخالف لذلك ممن لهم رأي يعتد به".

فإذا كانت هذه المعاملة الحسنة جائزة مع الكفار الأصليين، فهي جائزة من باب أولى مع فساق المسلمين حيث تجمعهم الأخوة الإسلامية العامة، فإذا ارتبط الولد بالدعوة وجب أن يكون هذا التصور واضحاً في ذهنه، ومسؤولية الأب متابعته في ذلك، وتوضيح المفاهيم والتصورات، وإزالة ما يمكن أن يقع في نفسه من اعتقادات خاطئة يصعب التخلص منها في الكبر، فإن الولد إذا كبر وقد تشبع بالمنهج الصحيح ومفاهيمه أمن - بعد توقيق الله-من الانحراف والتطرف في أي من مفاهيم الدين وتطبيقاته، خاصة وقد ظهرت طوائف وجماعات في القديم والحديث ليس لها من فقه الدين إلا القليل، فضلَّت وأضلَّت.

والنفوس البشرية ضعيفة تمل وتكل من وقت لآخر، خاصة الولد قبل البلوغ فهو محتاج دائماً إلى التذكير والمتابعة والرعاية، فإذا رأى الأب من ولده نوعاً من الخمول والتكاسل عن مشاركة زملائه في الدعوة، والنشاطات الإسلامية المختلفة، حمسه ورغبه دون تكلف أو شدة، كأن يتلو عليه قول الله U: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:33]، وقوله عليه الصلاة والسلام: ((فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من أن تكون لك حمر النعم))، مع ذكر بعض أحوال السلف الصالح وتفانيهم في الدعوة إلى الله وجهادهم في هذا السبيل، فهذا خير معين على طول الطريق ووعورته.