التعليم حق للجميع ذكوراً وإناثاً، إلا أنه لم يجد الصيغ العملية المناسبة والكافية لإعماله في الحياة المعاصرة، ولاسيما بالنسبة للإناث، إما من جهة قصوره عن استيعابهن، أو تعطيله لأدوارهن الاجتماعية، أو إفساده لأخلاقهن.
ونظام تعليم البنات المقترح الذي يناسب أحوالهن ينطلق من ثلاثة معالم رئيسة، تعمل متفاعلة فيما بينها جنباً إلى جنب:
أ- نظام تعليم معرفي: يراعي إيصال المعرفة إلى الطالبات، ولا يتقيد بسن ولا مرحلة ولا سنوات, يسير بلا حدود في مرحلة واحدة مفتوحة، هدفه المعرفة ذاتها، التي تشبع العقل، وتنير الفكر, وليس هدفه سوق العمل. وهذا من شأنه إلغاء الامتحانات التقويمية، وبالتالي الشهادات التي أصبحت موضع إزعاج، في سبيلها يكون الغش، والخداع، والكذب، فيكون العلم بصدق للمعرفة وليس لغايات أخرى، وهذا من شأنه أيضاً فتح عيون الطالبات على جميع العلوم، والتخلص من الانتهازيات ليخلص العلم للراغبات بصدق. فإذا احتاجت الفتاة لشهادة علمية تقدمها إلى جهة ما لإثبات قدراتها: عُمل لها اختبار تقويم يحدد قدراتها.
ب- نظام تعليم فردي: يراعي كل فتاة حسب حاجاتها وقدراتها وميولها العلمية، وهو مبني على تفريد التعليم والفروق الفردية، فليس من الضروري أن تقضي الفتاة مدة معينة في التعليم – تطول أو تقصر- بحيث يراعي هذا النظام طبيعة مهام الفتاة الاجتماعية فلا يؤخر زواجها، ولا يعطلها عن مهام أسرتها إضافة إلى أنه يستوعب جميع النساء كل حسب طاقتها، دون تعطيل لمهامهن الاجتماعية الرئيسة.
ج- نظام تعليم منزلي: يراعي الفصل بين الجنسين، وحاجة الإناث للقرار في البيت، والإشراف التربوي على الأولاد والقيام بالرعاية الأسرية، حيث تقدم المعرفة بكل فعالياتها التربوية إلى الفتاة في منزلها، بعد أن تقضي بضع سنوات أساسية في المدرسة التقليدية لاستيعاب بعض المهارات التعليمية العملية.
وقد أثبت هذا النوع من التعليم جدواه في القديم والحديث، فنساء السلف تعلمن في البيوت، وأولهن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، و الفاضلة فخر النساء شهدة بنت أبي نصر الدينوري (574هـ) وفاطمة بنت محمد الإدريسي وغيرهن كثير، انطلقن من المنزل وإلى المنزل، وهذا هو الغالب من أحوالهن.
وكان أداؤهن للعلم لاسيما في الرواية، كان من وراء حجاب، فقد أنكر هشام بن عروة بن الزبير رضي الله عنهم على ابن إسحاق لما بلغه أنه يحدث عن زوجته فاطمة بنت المنذر فقال: "يحدث ابن إسحاق عن امرأتي فاطمة بنت المنذر والله إن رآها قط"، فعلق الذهبي على هذا قائلاً: "هشام صادق في يمينه فما رآها، ولا زعم الرجل أنه رآها، بل ذكر أنها حدثته، وقد سمعنا من عدة نسوة وما رأيتهن". ويمكن تحقيق هذا النوع من التعليم عن طريق وسائل التعليم عن بعد، ولاسيما عن طريق التلفزيون التعليمي الذي أثبت جدواه، فتتعلم الفتاة في منزلها ما بعد الابتدائية.
والواقع يشهد بمعاناة جمع من المعلمات السعوديات أزمة التعيين في المناطق النائية والبعيدة, حتى إن إحداهن تحتاج إلى السفر اليومي لمئات الكيلو مترات, وربما تضطر للسكن بعيداً عن أهلها وزوجها لأسبوع أو أكثر في أماكن قد لا تناسبها.
وقد عانت كثير من الفتيات الأمريكيات والأوروبيات مثل هذا وأشدَّ منه زمن الثورة الصناعية وما بعدها, حين فُتحت المصانع, فكانت إحداهن تسافر مئات الأميال مودِّعة أهلها لتسكن في مجمعات نسائية, تشبه إلى حد كبير السجون, مع ما فيها من الضيق, والأذى, وسوء المعاملة, إضافة إلى الاضطهاد في العمل, وسوء الأحوال الصحية, وضعف السلامة في مواقع العمل داخل المصانع.
والذي يُخشى منه أن يصيب المرأة السعودية ما أصاب الغربية, حين تقبَّـل المجتمع صورة المعلمة المسافرة, والمقيمة بعيداً عن أهلها, فلا يبعد أن يتقبل في القريب صورة المرأة العاملة في المصنع, أو المؤسسة, أو الوزارة التي تقيم وحدها, أو في مجمعات سكنية بعيداً عن الأهل والأزواج, لتعاني طرفاً مما عانته المرأة الغربية.
لقد مرت أوروبا بأزمة الانفتاح على التعليم, حتى أصبح مطلباً شعبياً عاماً, يطلبه الجميع في المدن والأرياف, فكان لزاماً على الدولة تأمينه للجميع, وعندها فقد حلَّت بعض الدول هذه الأزمة بأسلوب التعليم عن بعد, عبر وسائل الإعلام المختلفة, فتخطوا الحواجز الطبيعية, وقطعوا المسافات الشاسعة بهذه الوسيلة؛ ليصلوا إلى الراغبين في المناطق النائية, وهذه تجربة ولا شك يمكن أن تخدم التعليم في بلادنا مع شيء من التطوير والتحسين.