7ـ حفظ الطفل من انحرافات المرتدين

7 - حفظ الطفل من انحرافات المرتدين

يبين الله U في كتابه العزيز موقف المؤمنين الصادقين مع أقربائهم إذا خالفوهم في العقيدة والدين، فيقول I: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ} [المجادلة:22]، هذه الآية قطعت كل حبال الود والرحمة بين المسلم والكافر، مهما كانت قرابته ومنزلته، إذا كان ذلك على حساب الإيمان؛ وذلك لأن العقيدة الإسلامية، وتوحيد الله U أغلى وأعظم من كل هذه القرابات والصلات العرقية، فهؤلاء أصحاب النار، وهؤلاء أصحاب الجنة، ولا بد للافتراق عنهم في الآخرة، أن يفترق المسلم عنهم في الدنيا ولو بقلبه وشعوره.

والأمة الإسلامية اليوم يعيش بعض أبنائها في بعض جوانب حياتهم ردة عن الإسلام بعلم منهم أو بجهل، ومن أعظم مظاهر هذا الارتداد عن الدين ونبذه: التحاكم إلى غير شرع الله، والرضا بذلك والاقتناع به، أو رفع الشعارات المخالفة للدين وتقديمها عليه، كشعار القومية العربية، أو الوطنية التي تجمع وتؤلف وتساوي بين أبناء الوطن الواحد من مسلم وكافر دون تفريق، أو رفع شعار الاشتراكية المخالفة للعقيدة الإسلامية، ويضاف إلى هذا كراهية بعض شعائر الدين وشرائعه مثل الصيام، والحجاب، وغيرهما.. أو الاستهزاء بشيء من الدين، أو الاستهزاء بالرسول r، أو وصف الله U بما لا يليق بجلاله، أو موالاة الكفار وحبهم وتقديمهم على المسلمين، أو جحود السنة المطهرة وعدم التحاكم إليها والرضا بها.

ويضاف إلى هذه المظاهر الخطيرة أيضاً قضية خطيرة جداً وقع فيها كثير من المسلمين، وهي قضية ترك الصلاة عمداً وتهاوناً وتكاسلاً عن أدائها، فإن الصحابة رضوان الله عليهم لم يكونوا يعتقدون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة، وقد نقل عن بعض السلف أن من ترك فرضاً واحداً من الصلاة متعمداً حتى يخرج وقتها فقد كفر وارتد، وذلك لقوله عليه الصلاة والسلام: ((إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة))، وقد ذكر الإمام النووي في شرحه هذا الحديث اختلاف العلماء في كفر تارك الصلاة تكاسلاً مع الاعتقاد بوجوبها، كما ذكر إجماعهم على كفر تاركها جحوداً بها وإنكاراً لوجوبها.

وعلى القول بكفر تاركها تكاسلاً وتهاوناً بها مع الاعتقاد بوجوبها، فإن كثيراً من أبناء المسلمين اليوم يعيشون حالة من الارتداد عن الدين، والأب المسلم الواعي بهذه القضية يعيش حالة من الشدة والضنك، يخشى تأثير هؤلاء على أولاده، خاصة إن كان بعضهم من الأقرباء، أو الجيران، فإن القضية تكون بذلك عظيمة وشديدة على نفسه، وخطيرة على الأولاد.

ولعل أمثل الحلول لهذه القضية، حفاظاً على الأولاد، أن يقطع الصلة والاحتكاك بين الأولاد وهذه الفئة الضالة من البعيدين من غير الأقرباء، فلا يقيم الأب مناسبة تجمعهم بالأولاد، ولا يأخذهم إليهم في أية مناسبة معتذراً في ذلك بالأعذار الشرعية المناسبة.

أما إن كان بعض هؤلاء من الأقارب فإن استطاع الأب قطع صلته بهم بالكلية وهجرهم في الله بعد إقامة الحجة عليهم ودعوتهم بالحسنى، فإن فعله هذا حسن، وله أصل في الشرع. وإن احتاج لمصارحة الأولاد الكبار خاصة بهذه القضية فلا بأس أن يعرض عليهم القضية بكل جدية موضحاً حكم الله وحكم رسوله في أمثال هؤلاء، أما إن ظن الأب أن أولاده لا يطيعونه في ذلك، وربما جعل في نفوسهم خللاً وتردداً لقصر فهمهم لمثل هذه القضايا ولصغر سنهم، انتهج أسلوباً آخر، وهو قطع الصلة بهؤلاء خفية، كأن يقتصر على السلام بالهاتف، أو يقصد ملاقاتهم في أماكن لا يطول فيها اللقاء، ويقل فيها التأثير مثل السوق، أو الشارع، أو في حفلة كبيرة لا يطول فيها اللقاء بين الأولاد وذلك القريب، ويتجنب زيارته لهذا القريب في بيته مع الأولاد، وإن اضطر إلى ذلك جعلها زيارة قصيرة جداً معتذراً بالأعذار المناسبة، ويحاول قدر المستطاع أن لا تتكون علاقة بين أولاده وأولاد ذلك القريب؛ إذ إن هذه العلاقة سوف تجر الأولاد إلى الإلحاح على الأب لإكثار اللقاءات بهم وزيارتهم، ولا شك أن لهؤلاء الأولاد-بكثرة اللقاءات- أثراً سلبياً على أولاده، وذلك لأنهم لم يتربوا على المفاهيم الإسلامية، والآداب الشرعية لكون رب الأسرة منحرفاً.

وكل ما سبق من الإجراءات الوقائية ضد المنحرفين من الأقارب تكون في حالة القريب المستتر بذنبه غير المجاهر أو الداعية إلى الضلالة. فإن كان مجاهراً بالفسق، معلناً جحوده، مستهزئاً بالدين وأهله، يدعو إلى شعار من شعارات الجاهلية، فإن هذا القريب لشدة خطورته وإمكانية إضلاله للأب فضلاً عن الأولاد، لا تجوز مخالطته ولا معاشرته، بل يجب هجره في الله ومعاداته في الله، وتوضيح قضيته للأولاد عند الحاجة، مع قطع الصلة به ابتداء قبل أن يتعود الأولاد على رؤيته، وللأب في رسول الله r، وأصحابه الكرام القدوة في ذلك، فقد هجروا الثلاثة الذين خُلِّفوا عن غزوة تبوك، رغم أنهم كانوا من خيار المسلمين، ومن أفاضلهم، ولم توجب معصيتهم الكفر، ومع هذا هجرهم الرسول r وأصحابه، فهجر المرتد المجاهر بالكفر والمعصية المعاند لله ولدينه أولى وأحرى، قال الإمام أحمد فيما نقله عنه ابن رجب رحمهما الله: " الناس يحتاجون إلى مداراة ورفق في الأمر بالمعروف بلا غلظة إلا رجلاً معلناً بالفسق فإنه لا حرمة له "، وهذا القريب بهذه الملابسات لا حرمة له ولا تقدير.

ويجب أن يفرق بين المرتد وبين الفاسق، فليس كل من عصى الله بعلم أو جهل يعد كافراً، فإن إطلاق الكفر على المسلمين دون روية أو تأكد يعد جريمة في حد ذاته، إلى جانب أن هذا الفعل لا يعود على المسلمين بخير، بل الواجب أن يكون المسلم مع عصاة المسلمين مبغضاً لهم بقدر معصيتهم، ومحباً لهم لإسلامهم وبقدر طاعتهم لله، فهو معهم بين حبهم بقدر وبغضهم بقدر دون إفراط أو تفريط في جانب من الجوانب.