31ـ حق الفراق بين الزوجين

لقد شرع الله تعالى الطلاق للتفريق بين الزوجين عندما تكون الحياة الزوجية مضطربة، لا يستطيع الزوجان فيها القيام بواجبهما مراعين في ذلك حدود الله تعالى، فيتحقق من خلال الطلاق المصلحة للزوجين بإنهاء النزاع والشقاق بينهما، بعد استنفاد جميع وسائل الإصلاح الممكنة .

والطلاق في نظام الإسلام الاجتماعي : مشروع باتفاق المسلمين، فكما شرع المولى U النكاح فقد أذن في الطلاق رحمة بالزوجين حتى لا تطول معاناتهما، وتتراكم حسراتهما، وقد مارسه الرسول r مع إحدى نسائه، إلا أنه مع ذلك مبغوض لله تعالى، ومكروه عند عامة العلماء إذا كانت الحياة الزوجية مستقرة .

والطلاق في الحياة الإنسانية تشريع قديم، مارسته بطرق مختلفة، وقد ارتبط بالزواج؛ إذ لا طلاق إلا بعد زواج، فهو " عرض لازم للزواج، ونتيجة من نتائجه الطبيعية "، فليس هو تشريعاً خاصاً بالرسالة المحمدية، وإنما جاءت الشريعة الخاتمة بإقراره، مع تعديله وضبطه، وتضييق أسبابه، ضمن نهج الحق في غير ظلم أو شطط.

وصورة التَّقيُّد بأحكام الطلاق الشرعية في الإسلام : أن يقع طلقة واحدة على السنة في طهر لا جماع فيه، أو في حال الحمل، مع مكوث المطلقة طلاقاً رجعياً في بيت زوجها، لا تخرج إلا بإذنه، فتتزين له وتتشوَّف لعله يراجعها، كل هذه الضوابط شُرعت : حتى لا يقع الطلاق إلا بعد التَّروِّي، وتدبر العواقب، فإذا وقع على السنة : زادت فرص الرجعة، وعودة الحياة الزوجية إلى طبيعتها، وحصل الدرس التربوي للزوجين من جرَّاء إيقاعه، فإذا كانت المطلقة محبة لزوجها : فإنها تعود للحق وتندم، ويشقُّ عليها الفراق، وإن كانت مبغضة له فإنها تتمادى، ويظهر حينئذ نشوزها، فلا يقع التأسُّف على قرار الطلاق ولا الندم، يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه : " ما طلق رجل طلاق السنة فيندم أبداً " .

وقد يقع في نفس الفتاة المعاصرة شيء من الشعور بالضَّيم من كون الطلاق حقاً للرجل، خاصة بعد ظهور المناداة بنزعه منه، وجعله مشاعاً بين الزوجين، وظهور القوانين الوضعية التي تحدُّ من استعماله خارج دور القضاء : فإن على الفتاة أن تعرف أنه مع كون تقييد الطلاق بالمحاكم أسلوباً كنسياً بعيداً عن روح الإسلام وتعاليمه، حيث يجعل الرجال عموماً في قائمة السفهاء : فإن الواقع - بعد سن هذه القوانين - يشهد بزيادة حالات الطلاق بسبب نشوز الزوجة، وبطلب منها، خاصة بعد التوسع في مشاركتها في القوى الاقتصادية العاملة، وفقدان المعايير الثابتة التي تُحدِّد دور كل من الزوجين في الحياة العملية .

إن قيام الرجل بتقديم المهر، وبأعباء تكاليف الحياة الزوجية ونفقاتها، وما حباه الله تعالى به من أسباب القوامة الخلْقية والخُلُقية : يحدُّ بطبيعته من تهوره في إيقاع الطلاق، كما أنه لا يُؤمن على الزوجة - لو كان الطلاق بيدها - أن تغلبها شهوتها فتنبذ زوجها إذا رأت غيره أفضل منه؛ إذ لا تستطيع شرعاً أن تجمع بينهما : فيفوت على الرجل حقه في النفقة والمهر، وفي هذا يقول ابن عباس رضي الله عنهما قاطعاً على المنتقدين المعاصرين حجة الزَّمن، واختلاف الناس، ومسائل المساواة بين الجنسين : " الطلاق للرجال ما كانوا، والعدة للنساء ما كنَّ "، فنصَّ على أن الطلاق حق للرجال مهما كانوا منزلة وزماناً، والعدة ملزمة للنساء مهما كان قدرهن الاجتماعي، وعمرهن الزمني .

ولما كان الطلاق حقاً مشروعاً للرجل - على ما تقدم - فلا بد أن يكون للزوجة سبيل لإيقاع الفرقة عند الحاجة، فلا يُسدُّ ذلك عليها من كل وجه، فإن الألفة قد لا تحصل بسبب تنافر الطبائع، والاجتماع لا يزيد الحياة - والحالة هذه - إلا شراً، ومن هنا شُرع للمرأة الخلع خاصاً بها دون الرجل، بحيث ترد عليه مهره، أوتتراضى معه على مال تدفعه إليه فيطلقها، فيحصل لها بهذا التشريع الحكيم : المقصود من الطلاق الخاص بالرجل، وتقع لها الفرقة على ما تريد، وفي نفس الوقت لا يتضرر الرجل بفوات حقه في المهر : فيعود إليه ماله . إلا أن المستحب والمندوب إليه في حق الفتاة ألا تخالع زوجها ما دام صالحاً، محباً لها، فإذا أصرت على الخلع فهو حق لها بالإجماع، لا يحق حرمانها منه، فإن ذلك قد يسوقها إلى سلوك لا تحمد عقباه، فإن بعض نساء الهند المسلمات لما حُرمن هذا الحق في الفرقة: لجأن إلى الردة عن الإسلام؛ لكونها الوسيلة الوحيدة التي ينفسخ بها العقد تلقائياً، فيتخلَّصن من أزواجهن الظلمة بهذه الطريقة المستقبحة، ولهذا يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه معالجاً هذه القضية النسائية : " إذا أراد النساء الخلع فلا تكفروهن "، وقد كان السلف منذ عهد النبوة يراعون حق النساء في هذا الجانب، ولا يدفعونهن إلى الكفران، والمسالك المنحرفة .

ومما يهم الفتاة المسلمة معرفته أيضاً : أن للطلاق عناء شديداً على النفس، يصاحبه عادة شعور بالإحباط والإخفاق، وهو على الفتيات الصغيرات أشد وأبلغ، خاصة وأنهن في مجتمع اليوم أكثر عرضة للطلاق من الكبيرات . وهذا الشعور السلبي لازم للمطلقة حتى وإن كان قرار الفراق برغبتها وتدبيرها، كما أن فرص تكرار تجربة الزواج بالنسبة لها : تقل عادة عن الفرص التي تُتاح للرجل؛ ولهذا تتضاعف رغبة تكرار تجربة الزواج عند الذكور أكثر منها عند الإناث، فربما طال بقاء المطلقة عند أهلها معطَّلة حتى ينزعج من بقائها الأب، وفي هذا يقول عليه الصلاة والسلام موجِّهاً الآباء إلى مراعاة ذلك : (( ألا أدلك على الصدقة، أو من أعظم الصدقة : ابنتك مردودة عليك ليس لها كاسب غيرك ))، فلا ينبغي تذمُّرالأولياء من بقائها، وعليهم أن يوطِّنوا أنفسهم على القبول بمبدأ تكرار التجربة مرة أخرى، فيُتيحوا للفتاة المطلقة من خلال الأسرة والمجتمع - لا كما تفعل الكنيسة - فرصة استئناف حياة زوجية جديدة مع زوجها الأول، أو مع زوج جديد؛ فإن كثيراً من نساء السلف رغم المكانة والفضل كن ينتقلن من زوج إلى آخر لمرات متعددة، إما بالطلاق أو بالموت دون نكير، فعلى الأولياء أن يقبلوا بهذا المبدأ، وعلى الفتاة ألا تستنكف تكرار التجربة مرة أخرى إذا حضر الكفء .