قسَّم الرسول r غيرة الرجال على زوجاتهم إلى نوعين، الأول : غيرة محمودة يُحبها الله تعالى ويرضاها، وهي ما كانت إثارتها عن ريبة تستدعي الوقوف والبحث، فهذا النوع من الغيرة من صفات المؤمنين، يصلح بها الله الزوجة، ويضبط سلوكها . أما النوع الثاني : فهو ما كان عن شك، ووسوسة لا حقيقة لها، فهذه مفسدة للعلاقة الزوجية، ومضرةٌ بالزوجة، وهي سلوك مبغوض لله تعالى، قال عليه الصلاة والسلام: (( الغيرة في الريبة يحبها الله U، والغيرة في غيره يبغضها الله … )) ، ويقول الغزالي رحمه الله : (( الاعتدال في الغيرة وهو : أن لا يتغافل مع مبادئ الأمور التي يخشى غوائلها، ولا يبالغ في إساءة الظن والتعنت وتجسس البواطن )) ، ومن هنا : نهى الشارع الحكيم عن تخوُّن النساء، والبحث عن عثراتهن، كأن يطرقها الرجل ليلاً؛ ليعرف حالها، فإن من فعل هذا بغير سبب مُلْجئ : فإنه غالباً ما يندم على فعله .
إن شعور الزوجة بغيرة زوجها عليها : ضرورة فطرية تحتاج إليها، وهي دليل من أدلة المحبة الأكيدة بينهما، وهي من السلوك الطبيعي الذي يصعب إخفاؤه أو تجاهله . وما زال طبع الرجال منذ فجر البشرية : الغيرة على النساء حتى إن أول جريمة قتل بين بني آدم : كانت بسبب التَّغاير على النساء، وعلى الرغم من أن الغيرة طبع في الجنسين من الذكور والإناث، إلا أنه في الرجال أعنف وأقوى، فالمرأة قد تحتمل دواعي الغيرة، وربما تقبَّلتها، كأن تقبل بالضرَّة تشاركها في زوجها، في حين لا يمكن أن يقبل الرجل - الطبيعي - بمثل هذا الوضع .
والمقصود أن الغيرة من الزوج على زوجته محمودة في العموم، بحيث تشعر بها الزوجة، دون أن تضرَّ بها ما لم تكن هناك ريبة، يقول عبدالله بن شداد : " الغيرة غيرتان : غيرة يصلح بها الرجل أهله، وغيرة تُدْخل النار "، فالأولى تنتفع بها الزوجة، وتُشبع خلتها من حب الزوج، واهتمامه بها، والأخرى تُفسد عليه حاله، وتضرُّ بزوجته .
ومن هنا فلا بد أن يراعي الرجال هذا المبدأ، وأن يكون الاعتدال نهجهم، وأن يتجنبوا الوسوسة والظن؛ (( … فإن الظن أكذب الحديث … )) .