المهر شعار النكاح، شرعه الإسلام حقاً للمرأة، ومنفعة راجعة إليها، وهو من المحاسن والنعم التي أنعم الله تعالى بها على المرأة، حين خولها الانتفاع به، وكلَّف الرجال به حين يرغبون في اصطفائها لأنفسهم، فمن حق المرأة أن يكون مهرها مناسباً لنفاستها، فإن جمالها، وحسن خلقها، ومواهبها العالية: من أوسع أبواب رزقها التي فتحها الله تعالى لها، وليس هو من باب المكافأة التي يقدمها الرجل لأهل العروس مقابل تربيتهم لها كما يظن بعضهم، بل هو حق خالص لها، وسنة ماضية منذ القديم، إلا أن الشريعة استحبت تيسيره حتى لا يكون معوِّقاً مانعاً من الزواج لمشقَّة جمعه، فقد رُوي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (( خيرهن أيسرهن صداقاً )) ، وكان عليه الصلاة والسلام لا يزيد في مهر أزواجه عن خمسمائة درهم، وكان يزوج المرأة بالنعلين إذا وافقت، أو ببعض القرآن، وأحياناً دون صداق . وكان يأمر بمساعدة العزاب على الزواج، والجمع لهم، وربما دفع المهر عن بعضهم، وكان يجيز الوليمة بما تيسر من الطعام دون تكلف . كل ذلك تخفيفاً على الأمة حتى يتحقق الإحصان للأفراد، ولا يكون المهر وتكاليف الزواج عائقين أمام إقامة الأسرة الصالحة، والبيت المسلم .
وعلى الأولياء أن يدركوا أن تيسير المهور، ومؤونة الزواج: من أعظم وسائل تحقيق الألفة بين الأزواج، فإن المغالاة في ذلك تُحْرج صدر الرجل، بتحمُّله ما لا يطيق من التكاليف، فتبقى للفتاة في نفسه عداوة، حيث تكلف لها فوق مقدرته، وقد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: " لا تغالوا في مهور النساء فتكون عداوة "، وقد ثبت مثل هذا التحذير عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
ومن هنا تدرك الفتاة وأولياؤها: أن التكاليف الكبيرة التي يتكلفها الزوج ليست لتحقيق السعادة بينهما، ودوام الألفة والمحبة؛ إنما هي وسائل سلبية تُضعف بينهما المودة والرحمة . وعليهم أن يعرفوا : أن شرف الفتاة ومكانتها الاجتماعية : لا تُقاس بحجم المهر، وتكاليف العُرس والأثاث، فلو كان شرفاً لسبق إليه السلف الصالح، فإن السيدة عائشة رضي الله عنها لما أدخلت على رسول الله r لم يكن في بيته سوى قدح من لبن، ومتاع قليل، لا تزيد قيمته عن خمسين درهماً . ولم يكن في متاع سيدة النساء: فاطمة رضي الله عنها عند زواجها سوى جلد كبش، وشيء من متاع يسير، ولم يكن لعلي رضي الله عنه سكن يأوي إليه مع زوجته، حتى تحوَّل له أحد الصحابة عن بيته . فلم تكن حتى مشكلة السكن التي تتصدر معاناة أزواج اليوم: سبباً في تعطيل الزواج، وإعاقة إقامة الأسرة المسلمة في ذلك الزمن الأول . مما يدل على ضرورة التعاون في المجتمع على تيسير أمر الصداق، وتكاليف الزواج حتى يتحقق للشباب من الجنسين ما يهدفون إليه من إقامة البيت المسلم، وتحقيق السكن النفسي والاجتماعي .