9ـ تهيئة الفتاة للخطَّاب

ينشغل الفتيات ذهنياً بالتفكير المتعلق بالحياة الزوجية والعاطفية، وزوج المستقبل، بحيث لا تحتاج الأسرة إلى جهدٍ كبير لإقناعهن بأهمية الحياة الزوجية؛ لأن الزواج والتفكير فيه في هذه المرحلة يملأ نفوسهن، وهو هدف أسمى يتمنين تحقيقه، إلا أن المشكلة تكمن في اختيار الأسلوب الأمثل، والطريق المشروع لترويجهنَّ للخطَّاب، بحيث يُمكَّنَّ من الزواج، وتكوين الأسرة قبل أن يطعنَّ في السِّن، ويصبحن غير مرغوب فيهن.

وليس في هذا المبدأ ما يشين الفتاة وأسرتها، فقد أقرَّ رسول الله r سبيعة بنت الحارث الأسلمية رضي الله عنها لما تهيأت، وتعرضت للخطاب بعد وفاة زوجها، ووضعها للحمل بأيام قليلة، رغم إنكار أقربائها عليها، حيث قال مقراًّ لها : (( ما يمنعها، وقد انقضى أجلها ))، وفي ذلك يقول ابن قطان رحمه الله : " ولها أن تتزين للناظرين، بل لو قيل: إنه مندوب ما كان بعيداً، ولو قيل إنه يجوز لها التعرض لمن يخطبها إذا سلمت نيتها في قصد النكاح لم يبعد "، وكان الناس في الزمن الأول يعرضون في وجه الفتاة في الطواف بالبيت حتى يرغب فيها من يرغب، ثم يخدِّرونها بعد ذلك فلا تخرج إلا إلى بيت زوجها، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : " أبرزوا الجارية التي لم تبلغ لعل بني عمها أن يرغبوا فيها "، وكل هذا مقيد بعدم الفتنة، والرغبة الخالصة في طلب الزواج، وترويج الفتيات لدى الخطاب، وإلا مُنع من كل هذا إيثاراً للسلامة .

ورغم أن الحياة الاجتماعية المعاصرة التي قامت في غالبها على اختلاط الجنسين في ميادين الحياة المختلفة : فخفَّفت بذلك من الأساليب التقليدية في اختيار الشريك، إلا أن الأساليب الملتوية الخفية، التي يتخذها بعض الفتيات في جذب الخطَّاب ما زالت قائمة بينهن، في حين أن هؤلاء الفتيات لوأدركن ما يُرغِّب الشباب فيهن من الصفات المشروعة، وسعين إلى تحقيق ذلك في أنفسهن - حسب استطاعتهن - كان هذا هو الأولى، والأقرب إلى الشرع من جهة، ولتحقيق مرادهن من جهة أخرى .

وقد أثبتت بعض الدراسات الميدانية : أن الدين وحسن الخلق، وطاعة الزوج، والتمسك بالتقاليد المتعارف عليها : من أهم صفات الفتيات المُرغِّبة للشباب فيهن، حتى إن كثيراً من الشباب يتأخر سن زواجهم بسبب بحثهم عن ذات الدين، ومن المعلوم أن الشاب - مهما كان مستواه الخلقي - لا يرغب في الزواج بالفتاة الساقطة، حتى وإن كان سقوطها معه في جريمة خلقية مشتركة .

وتأتي مسألة البكارة في الزوجة لتحتل ركناً أساسياً في شروط الشباب للنكاح، بحيث لا يكاد يتنازل عنها أحد منهم، مهما بلغ من العلم والمعرفة والثقافة، حتى إن بعضهم اعتبرها شرطاً رئيساً للقبول بمبدأ الزواج، وهذا ليس بغريب منهم، فرغم أن الفتاة العذراء عند الغربيين أصبحت خرافة عصرية لا وجود لها؛ فإن كثيراً من الرجال رغم فرط تحررهم الخلقي من كل قيد : ما زالوا يرغبون في أن يكونوا الأوائل في حياة نسائهم، وأن " الكثيرين حتى أولئك الذين لم يتعصبوا لعقيدتهم الدينية، يشعرون بأن الزواج يكون أكثرإمتاعاً، وأوفر نجاحاً إذا أقدم عليه الزوجان عذارى لم يمسسها بشر، يرتويان معاً مباهج الحياة الجنسية " .

ومن هذا المنطلق النفسي الطبيعي عند الرجال : حثَّ الرسول r على البكر؛ لكمال الاستمتاع بها، وسهولة الانقياد، وشدة الودِّ للزوج الأول، حيث يحتل في نفسها - كما تقدم - مكانة خاصة لا يمكن أن تُنسى .

وأما المظهر العام، والمرغِّبات الأخرى : فإن الشباب يرغبون عادة في الفتاة المعتدلة الطول، الحسنة الرائحة، الممتلئة الجسم في غير إفراط، الحسنة الوجه، المُجِيدة للخياطة والطهي، القادرة على القيام بمهارات شؤون البيت بصورة فائقة .

وأما من جهة الكسب والعلم : فإن غالب الشباب لا يميلون للاقتران بالفتاة العاملة، ويرغبون أكثر في الفتاة المتعلمة، بشرط أن تكون دونهم في المرحلة التعليمية، ويرغبون في المتفرغة للبيت وشؤونه، والمنتمية إلى الطبقة الاجتماعية المتوسطة . وأما اتجاه بعض الشباب للاقتران بالفتاة العاملة فإنه يعود في هذا الوقت للحاجة الاقتصادية إلى دخل الزوجة في دعم مصروفات الأسرة، وتأمين احتياجاتها، التي لا يسدها دخل الرجل وحده، ومع ذلك فإن رغبة الخطَّاب لا تزال قائمة في الفتاة المتفرغة أكثر من الفتاة العاملة، فقد دلَّت إحدى الدراسات العربية أن نسبة الفتيات الطالبات المخطوبات أعلى من نسبة النساء المخطوبات من العاملات، اللاتي كثيراً ما يُخفقن في إتمام نجاح خطوبتهن حين يُخطبن، مما يدل على ميل الشباب نحو الفتاة غير العاملة .

إن إدراك الفتاة للمشروع من وسائل جذب الشاب الصالح لخطبتها، وما ينبغي أن تكون عليه، وتتحلَّى به في ذلك : يُعدُّ أفضل وسيلة للشروع في الحياة الزوجية، وتكوين البيت المستقر، في جوٍ من الألفة والمحبة، ولا يعني هذا التَّحفُّز من الفتاة، ووليها في انتظار الخطَّاب : المنْعَ من أن يكون منهما مبادأة للرجل المناسب، فإن عرض الولي ابنته على الرجل الصالح ليتزوجها : سنة ماضية، عمل بها السلف . كما أن عرض الفتاة نفسها على الشاب الصالح بالأسلوب البرئ المشروع : جائز إذا سلمت نيَّتها، وحسن مقصدها، حتى وإن كان المجتمع يستهجن المُبادأة من الفتاة في شؤون الزواج، فإنها - في كل هذا - لا تزيد في ذلك عن لفت نظره دون ريبة، وإشعاره بوسيلة من الوسائل المشروعة بالرغبة فيه للزواج دون زيادة على ذلك، فإن رغب فيها : خطبها من أهلها، وإلا انصرف عنها، وكفَّت هي الأخرى عنه، في جو صالح سَلِمَ من المخادنة والفحش والفتنة .

إن وعي الفتاة المسلمة المعاصرة بمثل هذه المسائل يساعدها على تجاوز صعوبة التَّحفُّز والانتظار، والدخول في الحياة الزوجية من أول العمر، والإقبال على الحياة الجديدة أكثر حماسة، وأقدر على التأقلم معها، والتَّكيف لها .