7ـ الزواج يؤهل الفتاة لمرحلة الرشد

تنتقل الفتاة تلقائياً من مرحلة إلى أخرى من خلال تقدمها في السِّن، إلا أن بلوغ الرشد لا تتأهَّل له بمجرَّد الاحتلام؛ إذ تحتاج إلى خبرات اجتماعية، وممارسات أسرية : تؤهلها إلى هذه المرحلة؛ فإن الفتاة - والمرأة في العموم - لا تبلغ تمام نموها إلا بعد الحمل والإنجاب مرة واحدة على الأقل، " وقد لوحظ بوجه عام أن النساء اللاتي لا ولد لهن أقل اتزاناً، وأكثر عصبية من النساء اللاتي لم يُحرمن من الولد "، وقد نصَّ الفقهاء على أن الفتاة لا تبلغ مرحلة الرشد، والتَّصرف الكامل في شؤونها الخاصة إلا بعد أن تخوض خبرة الزواج، فبمجرد بلوغها الاحتلام، وزواجها، وإنجابها : تتأهل مباشرة لمرحلة الرشد الكامل باتفاق العلماء . والفتاة بفطرتها - حين تنضج جنسياً - تكره من عمق تكوينها حياة العزوبة، وتأخير الزواج، وترغب في الاستقلال وتكوين الأسرة، إلا أن التغيرات الاجتماعية والاقتصادية المعاصرة، وظروف التعليم : عملت على تأخير سن الزواج، فالفتاة تبلغ المحيض في الثانية عشرة تقريباً، ثم تبقى عند أهلها إلى العشرينات من عمرها في صراع نحو الفطام الأسري، وتعيش حالة من البطالة الجنسية، رغم اكتمال بنيتها الجسمية، وصلاحها للزواج والإنجاب . في حين لا تعرف المجتمعات البدائية والريفية - التي لم تصل إليها لوثات المدن الحضارية - هذه البطالة، ولا يعرف فيها الشباب معاناة المراهقة وأزماتها، حيث تقترن قدرتهم على الاستقلال الاقتصادي، وتكوين الأسرة ببلوغهم مرحلة الاحتلام، فيخرجون مباشرة من مرحلة الطفولة، وإرهاصات البلوغ إلى الرشد فلا يعرفون مرحلة المراهقة؛ لأنها ليست مرحلة نمو طبيعي عند الإنسان؛ بل هي مرحلة حضارية، أفرزتها تعقيدات الحياة المعاصرة . ولن تنتهي معاناة المراهقة ومشكلاتها، ولن تصل مداها المرحلي عند الشباب إلا عندما يتأهل أحدهم للقيام بأعمال البالغين، من تكوين الأسرة والإشراف عليها، والقيام بحاجاتها، وفي الحديث قال عليه الصلاة والسلام : (( إذا تزوج العبد فقد استكمل نصف الدين، فليتق الله في النصف الباقي )).

ومن المعلوم أن أفضل فترات الاستمتاع بالفتيات من بين الخامسة عشرة إلى الثلاثين، وأشد ما تكون حاجة الفتيان إلى الزواج ما بين الثامنة عشرة إلى الثانية والعشرين، وتنتهي عندهم مرحلة الشباب في سن الثلاثين، الذي اعتبره بعضهم بداية العنوسة عند الفتيات، حتى إن الرومان اعتبروا من تجاوزت التاسعة عشرة دون زواج عانساً، فإذا بهذه الفترة الحرجة من عمر الفتيان والفتيات تُقضى في بطالة لا تخدم النوع الإنساني، وحالة من مظاهر الرعاية الطفولية في كنف الأسرة، فقد دلت بعض الدراسات أن متوسط سن زواج الفتاة العربية ما بين (20 - 23) سنة، وعند الفتيان في بعض الدول العربية وصل إلى إحدى وثلاثين سنة .

ورغم هذا الواقع الذي تحياه الأمة، المخالف للطبيعة البشرية السوية : لا تزال تسعى بعض المنظمات المشبوهة، وبعض المؤتمرات الدولية للصحة النفسية، وبعض الدراسات المنحرفة : للتأكيد على ضرورة تأخير سن زواج الفتيات بحجة أنه مضر بهن نفسياً وجسمياً؛ ولهذا يجدُّ السعي من خلال القوانين الوضعية لفرض ذلك رسمياً، ومعاقبة المخالفين، في الوقت الذي تُجمع فيه الأمة على جواز تزويج الفتاة الصغيرة مطلقاً حتى ولو كان قبل البلوغ، بل يجوز إجماعاً حتى وإن كانت لا تزال في مرحلة المهد طفلة صغيرة؛ فقد زوَّج بعض الصحابة ابنته عند ولادتها، إلا أنها لا تُزفُّ إلى زوجها إلا حين تكون صالحة للمعاشرة الزوجية، التي تبدأ أول فرصها الممكنة عند تمام سن التاسعة من عمر الفتاة، على تفاوت بين البنات في سرعة نموهن، وإمكان الدخول بهن . ومع ذلك فإن بعض المجالس الشرعية التي أقرت قانوناً بتحديد أقل سن للزواج لم تجعل بلوغ ذلك السن شرطاً لصحة النكاح .

ولا شك أن للزواج المبكر فوائد كثيرة تنعكس على الأزواج من جهة وعلى المجتمع من جهة أخرى، وذلك حين يطبق بموجب الشرع الحنيف، وبتعاون من المجتمع، ولعل أقلَّ ما فيه من الفوائد أنه موافق للفطرة الإنسانية؛ إذ ليس من المقبول شرعاً ولا عقلاً أن يكون موعد القدرة على التناسل عند الإنسان، والمقدَّر بخمسة عشرة عاماً : قد وُضع خطأ في وقت غير مناسب للتناسل، ثم إن من طبيعة الغريزة الجنسية الإلحاح للإشباع، وعدم قبولها - في غالب الأحوال - للتأجيل، كما أن حصول الحمل - في الغالب - لا يتم إلا حين تكون الفتاة مهيأة لذلك فطرياً؛ ولهذا نادراً ما يقع الحمل للمتزوجات الصغيرات دون سن الثانية عشرة، ومن المعلوم أن الوقائع النادرة لا يلتفت إليها؛ إذ الحكم دائماً للأغلب والأعم، ومع ذلك فإن إمكانية التحكُّم في وقوع الحمل ممكنة، ولا سيما في هذا العصر، وهو جائز شرعاً لمصلحة معتبرة . وأما ما يُنقل عن سلبيات الزواج المبكر، ولا سيما في مسألة كثرة وقوع الطلاق بين المتزوجين الصغار، فإن المشكلة لا تكمن في مبدأ الحكم الشرعي الذي أجاز النكاح المبكر، وإنما تكمن في أساليب التطبيق عند المسلمين المعاصرين من جهة، وتكمن من جهة أخرى في جمع من المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية الحديثة، التي طرأت على حياة المسلمين، والتي تعود إليها - في الغالب - أسباب تقويض كثير من بيوت المتزوجين الصغار .