تعتمد الأمم منذ القديم في قوتها على أعداد أفرادها البشرية العاملة والمنتجة، فالعامل البشري في التنمية الاقتصادية أهم بكثير من الموارد المادية الطبيعية؛ لأن الإنسان هو الأساس في النهضة الاجتماعية، والدعامة الأولى للنمو الحضاري، والازدهار الاقتصادي؛ فهو الوسيلة التي يمكن من خلالها إحداث التنمية وتطويرها، وهو أيضاً غاية التنمية، في تحقيق رفاهيته وسعادته، فالإنسان هو الوسيلة والغاية في الوقت نفسه؛ ولهذا يعتبر نقص المواليد في اليابان مشكلة وتحدياً يواجه المجتمع الياباني خلال القرن الواحد والعشرين الميلادي، كما جاء ذلك مصرحاً به في تقرير لجنة الوزراء باليابان .
وقد أدركت الشعوب منذ القدم هذا الفهم، فالأمم اليهودية والنصرانية، رغم فهمها الأعوج للزواج؛ حيث طفحت كتبهم المنحرفة التي يقدِّسونها بالتحذير منه والترغيب في العزوبة والتبتل، ومع ذلك تدعو بكل قوة إلى التناسل والتكاثر وتحسين النوع، وإنزال أقسى أنواع العقوبات بكل من يقتل أبناءه، أو يجهض الحوامل، حتى إن الكنيسة في القرون الوسطى كانت تُحرِّم جميع وسائل منع الحمل.
واستمر عندهم هذا المسلك السياسي الاجتماعي مع شيء من التطور في العصور الحديثة التي أعطت للأفراد مزيداً من الحرية في الإجهاض، وترك الإنجاب، ورغم ذلك فإن الدول الغربية لا تزال من خلال التشجيع، والحوافز تدفع بشعوبها نحو التكاثر - بصورة مشروعة أو غير مشروعة - خاصة بعد أن قلَّت أعداد المواليد عندهم بصورة مفزعة، وفي الوقت نفسه - وبصورة مزدوجة - سعوا إلى إضعاف التناسل السكاني عند الشعوب المنافسة، خاصة الشعوب الإسلامية التي ترى من دينها : أن التكاثر سنة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وأن الأرض لن تضيق يوماً بكفاية أهلها . فجدُّوا في إقناع الشعوب - بوسائل مختلفة - بضرورة ضبط الإنجاب، وأوصوا من خلال بعض المؤتمرات السكانية : بنقل التقنية الخاصة بإنتاج وسائل منع الحمل إلى الدول النامية؛ لتحقيق الاكتفاء الذاتي منها، في الوقت الذي لا يجد كثير من هذه الشعوب في الدول الفقيرة الماء النَّقي الذي يصلح للتَّناول . فدل على أن هذه الدعوة تهدف إلى القضاء على قوة المسلمين السكانية، حيث يخافون من زيادة نسبتهم، وتفوقهم العددي، معتبرين ذلك تهديداً لمصالحهم الحيوية؛ ولهذا أفتى علماء الإسلام المعاصرون بحرمة تحديد النسل مطلقاً إلا في حالات فردية خاصة، تدعو إليها الضرورة، معتبرين هذه الدعوة تآمراً على قوى المسلمين البشرية، وإيقافاً لها عند حد القلة والضعف أمام الشعوب الأخرى . وقد دلَّت العديد من الإحصاءات الحديثة على تفوق الدول العربية والإسلامية - في الجملة - في معدلات النمو السكاني والخصوبة على الدول الصناعية بأكثر من الضعفين للخصوبة، وأكثر من أربعة أضعاف للنمو السكاني، وهذا لا شك يزيد من توتر القوى المعادية للإسلام والمسلمين، مما يدفعهم إلى مزيد من الأنشطة الرامية إلى الحد من تنامي قوى المسلمين العددية .
ومن هذا المنطلق تدرك الفتاة دورها المهم أمام هذا المخطط الغربي، وتقتنع بضرورة قيامها من خلال الزواج الإسلامي بتحقيق هدف تكثير الأمة المسلمة، امتثالاً لأمر النبي r الحاثِّ على التناسل، وتجنباً من مشابهة طبيعة المرأة العاقر التي لم يُرغِّب رسول الله r في الزواج منها، وتعرف أن أهم ثمار النكاح : التناسل فهو المقصد الأسمى والأعظم من مشروعية الزواج . بحيث لا يمنعها من الزواج، ولا يصرفها عنه - إذا حضر الكفء - إلا ضرورة مانعة .