ظاهرة الزوجية ظاهرة عامة في الحياة الكونية، تنطبق على جانبيه : المادي والمعنوي، فتشمل عالم الإنسان والحيوان والنبات : حيث ظاهرة الذكر والأنثى، وعالم الجماد : بالموجب والسالب، وعالم الأفكار: بالصواب والخطأ، وكذلك المشاعر : فالرضا يقابله الغضب، والسرور يقابله الحزن . وهذا التشبيه مع الفارق؛ إذ لا يمكن أن تنطبق الزوجية في عالم الإنسان على الزوجية في نظام الكون من كل وجه، إلا أنه يدل على أن نظام " الزوجية ليس دائرة ضيقة ولا أفقاً محصوراً مقصوراً على الإنسان أوالحيوان أو النبات؛ بل هو سنة كونية كلية مرتبة، اتخذت مكانها في أنواع الكائنات كلها، وقسَّمت أفراد كل نوع قسمين أو زوجين، وحلَّت في أحد القسمين بسر يخالف السر الذي حلت به القسم الآخر، ولا تُعطي سنة الله ثمرتها بإيجاد النوع إلا إذا التقى السِّران، واجتمع الزوجان " .
والإنسان أفضل الكائنات، وأرقاها في عمق تعبيره عن الطبيعة الزوجية، فقد قامت البشرية منذ آدم عليه السلام على نظام الزواج والأسرة، فما أن خلق الله آدم عليه السلام حتى أتبعه زوجه؛ ليسكن إليها، وتستقر نفسه بها، فما عرفت البشرية قطُّ فكرة شيوعية النساء إلا في عهد الثورة الشيوعية المنْدَحرة . ثم لما تبيَّن لهم بعد زمن فداحة فكرتهم وضلالها : عادوا من جديد إلى نظام الزواج .
إن الزواج في الحقيقة يُعد أعظم أركان التَّمدُّن الإنساني، وهو السبيل الوحيد لضمان دوام الإنسانية، وهو النظام الفريد القادر على بقاء الجنس البشري، ولو أخفقت جميع النظم البشرية الأخرى . ولا يزال الخلق يتزوجون، فما يبلغ أحدهم الخمسين إلا وقد جرَّب الزواج، وقلَّة نادرة هم الذين يتركونه . فيحتاجون - لهذا الشذوذ - من الجهاد النفسي والجسمي، والاعتزال الاجتماعي ما يُعينهم على مخالفة الفطرة السوية . يقول الجنيد - وهو الزاهد المعروف - مبيِّناً الحاجة إلى الزواج : " يقولون : يُحتاج إلى النكاح كما يُحتاج إلى القوت، قلت : فالزوجة على التحقيق سبب طهارة القلب "، فزاد رحمه الله على كونه ضرورة كالقوت للبدن، أنه من أسباب طهارة القلب، حيث تستقر به النفس، ويُحفظ به الدين والخلق.
ورغم الانفتاح الكبير الذي يعيشه الغرب، والحرية غير المحدودة : فإنهم -الآن- يتوجهون نحو الزواج وترك العزوبة، وتُقرر دراساتهم الاستطلاعية على الفتيات خصوصاً والنساء المتعلمات عموماً : أن الزواج والأمومة هما وظيفتا المرأة في الحياة . مما يدل على انتصار الفطرة، ولو خالفها الواقع الاجتماعي .
ومن هنا فإن قناعة الفتاة المسلمة بهذا المبدأ من الناحية الشرعية، والناحية العقلية والواقعية يدفعها نحو الزواج والإقبال عليه، والتنعم بمباهجه : موافقة لطبيعتها البشرية، وانسجاماً مع طبيعة الحياة، ونظامها الكوني .