يمكن من خلال النقاط التالية توضيح الوجهة التربوية الإسلامية تجاه ممارسة الفتيات للرياضة البدنية، وذلك على النحو الآتي:
1-يستوعب منهج الإسلام التربوي بتوجيهاته وأحكامه وآدابه كل أنشطة الإنسان في حياته الدنيا، بما في ذلك الرياضية البدنية؛ لهذا فإنه لا يصح لأحد– كائناً من كان - أن ينطلق في أيِّ شأن من شؤون الحياة - ولاسيما العامة منها– فيختار لنفسه، أو لأمته ما شاء، دون الرجوع إلى المصادر الشرعية في كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وفيما أجمعت عليه الأمة، ومِن ثمَّ الالتزام بذلك.
2-الأصل في الأنشطة الرياضية الإباحة؛ فإن الكسل - بكل صوره - مكروهٌ شرعاً , إلا أن أنواعاً من الألعاب الرياضية، وصوراً من أساليب ممارستها، ومتعلقات أخرى تلحق بذلك : تُخرج هذه الرياضة عن حدِّ الإباحة إلى الكراهة أو التحريم، وهذا بالضرورة يوجب التوصية بأهمية الالتزام الشرعي في اختيار الألعاب الرياضية، وأساليب ممارستها، وكل ما يلحق بها، مع أهمية التقيُّد بالآداب الاجتماعية والأخلاقية المرعية بالشرع الحنيف، التي تهدف إلى تحقيق السلامة الشاملة للإنسان.
3-تحقق الرياضة البدنية للفتيات جملة من الفوائد الصحية العامة، التي تشمل النواحي : الجسمية، والنفسية، والعقلية … وذلك حين تُمارس ضمن ضوابط السلامة العامة، الكفيلة بإحكام نشاط الفتيات الرياضي ضمن الحدود الشرعية والصحية والخلقية، دون متعلقات الرياضة الحديثة من : المفاسد الخلقية، والأضرار الصحية، وترف الثقافة الرياضية، وهذا بالضرورة يتطلب أخذ هذه الضوابط في الاعتبار عند ممارسة الفتيات للرياضة البدنية.
4-تحقق الخدمة المنزلية للفتيات -بكل فعالياتها الحركية، واستمراريتها اليومية- الأهداف المنشودة من وضع الأنشطة الرياضية وألعابها المتنوعة؛ إذ إن الألعاب الرياضية بأنواعها المختلفة ليست مقصودة لذاتها، وإنما المقصود هو النشاط الحركي المستمر، مما يتطلب التأكيد على أهمية الخدمة المنزلية للفتيات في تحقيق الصحة الجسمية، مع ما فيها من فضيلة القيام بالمسؤولية الأسرية، ورعاية العائلة.
5-ارتبطت غالب ممارسات الفتيات المعاصرات للرياضة البدنية في الحياة العامة بصور وأساليب ومواقف لا تتوافق مع المبادئ التربوية الإسلامية، ولا تتماشى مع قيمها وآدابها، وهذا يُوجب على الفتاة المسلمة الاكتفاء بالممارسة الرياضية والحركية داخل منزلها، أو ضمن ساحاته المفتوحة المأمونة؛ فإن حصول الفائدة من الممارسة الرياضية البدنية لا يفتقر إلى الساحات الكبيرة، ولا إلى الأدوات الرياضية المعقدة، بقدر ما يفتقر إلى الحركة الجسمية والعضلية في حدِّ ذاتها، بل إن الدَّلك والدهن والتمريخ كل ذلك يدخل ضمن مفهوم الرياضة البدنية المفيدة.
6-يُحجم كثير من الفتيات المسلمات عن المشاركة في الأنشطة الرياضية في المؤسسات التعليمية، ويفضِّلن ممارستها داخل المنزل مع أفراد الأسرة؛ وذلك يرجع إلى خوفهن من احتمال الانكشاف أمام الرجال الأجانب، ولاسيما في المجتمعات التي لا تراعي خصوصيات الإناث الجسدية، وأحكام الحجاب الشرعي، لذا تجدر التوصية باكتفاء الفتيات بالممارسة الرياضية المنزلية المستمرة بهدف السلامة الخلقية؛ فإن ستر العورة بالنسبة للأنثى - بصورة خاصة - مطلب شرعي مُحكم،لا يجوز التنازل عنه، أو تعريضه للاختلال لمجرد مطلب كمالي لا يصل حدَّ الحاجة عادة، فضلاً عن أن يصل درجة الضرورة، التي تباح عندها المحظورات.
7-جاءت الشريعة الإسلامية بالتفريق الواضح بين معالم الذكورة ومعالم الأنوثة في جميع صور الممارسات والسلوكيات؛ ليبقى لكل جنس طبيعته المغايرة للجنس الآخر، فيحصل من ذلك التكامل بينهما، ويتهيئ كلٌ لما خُلق له، إلا أن واقع الممارسات الرياضية الحديثة، وأهدافها الاقتصادية والتجارية، ووسائلها التنافسية : تُغري إلى مزيد من العطاء الجسمي المصبوغ بشيء من العنف، وتدفع إلى ألعاب رياضية خطرة ومهلكة، لا تحقق الغاية الصحية المنشودة من ممارستها، ولا تناسب طبيعة الإناث؛ لكونها تصبغ أجسادهن بالطابع الذكوري، مما يعطِّلهن عن أداء واجباتهن الطبيعية والفطرية والاجتماعية المناطة بهن، ولاشك أن هذا الوضع للممارسات الرياضية النسائية لا يتوافق مع نظام الإسلام التربوي, الذي يؤكِّد على ضرورة السلامة الشاملة من جميع الانحرافات، مما يوجب التوصية بضرورة تناسب النشاط الرياضي مع طبيعة الإناث الفطرية والاجتماعية، مع ضمان حفظ معالم أنوثتهن من الاضمحلال، وهذا لا يحصل بكماله إلا حين تُلغى أنشطة الفتيات الرياضية التنافسية، وتستبدل بالأنشطة الرياضية التعاونية والفردية.
8-يغلب على الأنشطة الرياضية وألعابها سمة التوتر والإثارة والانفعال؛ لما فيها من طابع التنافس والعدوانية والمغالبة، التي تُعد الوقود الرئيس لغالب الألعاب الرياضية، وهذا الوصف يتعارض بصورة كاملة مع طبيعة الدور الاجتماعي والفطري المناط بالفتيات في خدمة النوع من خلال الحمل، ورعاية النسل، ومن هنا تجب التوصية باعتماد الأنشطة البدنية التي يقل فيها الاحتكاك الجسدي والازدحام، ويشيع فيها التعاون والتلاطف والسلام، لمناسبتها لطبيعة الإناث وأدوارهن الفطرية, ومسؤولياتهن الاجتماعية.
9-تتسم كثير من الأنشطة الرياضية المعاصرة بالمخاطرة، ويشيع في كثير منها درجة عالية من العنف والقسوة والوحشية، التي كثيراً ما تكون سبباً في هلاك الإنسان، أو إعاقته الجسدية، وهذا يتعارض بصورة صارخة من الوجهة التربوية الإسلامية، التي تعتبر حفظ النفس وسلامتها من الضرر مقصداً من مقاصدها، فلا تُجيز للشخص - تحت أي مبرر - أن يضر بجسده، أو يعطِّله عن القيام بواجباته الشرعية المناطة به، وهذا يتأكد بصورة أبلغ في حق الإناث لطبيعة المهمات المنوطة بهن, ومسؤولية الحمل والإنجاب، التي تتعارض تماماً مع حركة العنف والقسوة والمخاطرة التي تتسم بها كثير من الألعاب الرياضية المعاصرة؛ لذا تجدر التوصية بضرورة امتناع الفتيات عن الأنشطة والألعاب الرياضية التي تحمل في طبيعتها سمة العنف أو الوحشية أو المخاطرة، والإبقاء على الممارسات الرياضية اللطيفة التي لا تتعارض مع أدوارهن الفطرية والاجتماعية، وتحقق لهن قدراً من السلامة الصحية.
10-ينتشر بين غالب أفراد المجتمع السلبية تجاه الممارسة الحركية والرياضية، مقابل درجة عالية من المتابعة الثقافية والفكرية للأنشطة الرياضية التنافسية؛ بحيث ينحصر نشاط كثير من الناس ضمن حدِّ المتابعة، والتنافس المقيت، والتشجيع المفرط، مما حدا بكثير من التجار والمستثمرين الاقتصاديين لاستغلال هذا الوضع الاجتماعي العالمي في مزيد من الاستهلاك وتنمية الثروات، حتى ارتفعت مكانة الجسد القوي والجميل إلى حدِّ التقديس؛ لما يحققه من خلال : التنافس، والإثارة، والمخاطرة، والجمال من العائدات المالية الكبيرة، والإسلام بمنهجه التربوي لا يرضى بتقديس الجسد، ورفع مكانته فوق المبادئ والقيم الروحية، ولا يوافق على بناء الجسد من أجل الجسد، وإنما بناء الجسد بهدف تحقيق العبودية لله تعالى، من خلال عمارة الأراضي، والقيام بالمسؤوليات العبادية والاجتماعية والاقتصادية المناطة بالفرد والجماعة، ومن هنا لابد من التوصية بأهمية الممارسة الرياضية الواقعية ضمن ضوابط السلامة التربوية بما يناسب كل جنس, ويحقق سلامة الفتيات الصحية، دون الالتفات إلى المتعلقات الرياضية من صور التنافس، والمتابعة، والتشجيع، بما يضمن سلامة اهتمامات الفتيات من ترف الثقافة الرياضية، ومتعلقاتها الفكرية.