إن المعاناة المرضية أمر عام لا يكاد يخلو أو ينجو منه كائن حي، وهو في حق الإنسان المؤمن أجر وثواب، ورفع للمنزلة عند الله تعالى، وفي الحديث:(ما من مسلم يُصيبُهُ أذىً، مرض فما سواه، إلا حط الله له سيئاته، كما تحطُّ الشجرة ورقها), ولهذا استطاب بعض السلف الإصابة بالمرض، حتى كرهوا الدواء رغبة منهم في حيازة الفضل، وعظيم الأجر، أسوة بسيد المرسلين عليه الصلاة والسلام الذي كان يُوعك كما يُوعك الرجلان، فيضاعف -بالتالي- له الأجر والثواب، وكما هو حال أنبياء الله تعالى عموماً عليهم السلام؛ بل كانوا يمقتون من لا يُصيبه المرض، ويعتبرون ذلك أمارة كافية على فساد طويته، وقبيح مسلكه؛ ولهذا يقول عليه الصلاة والسلام:(من يُرد الله به خيراً يُصب منه), ويُعرف من مفهوم المخالفة: أن من لم يرد الله تعالى به خيراً يتركه معافىً في بدنه ونفسه، لا يرْزأ من صحته شيئاً، حتى يأتي ربَّه فقيراً من الحسنات يوم القيامة.
ومن هنا يظهر أن مبدأ قبول الفتاة بالحالة المرضية مبدأ ضروري في التعامل مع المرض: من الجهة الإيمانية، ومن الجهة النفسية؛ "لأن المصابين بالأمراض الجسمية معرضون في الغالب للتأثر بالأعراض الانفعالية، كالقلق والاكتئاب"، فيجتمع عليهم ألم البدن مع ضيق الخلُق، فهذه أم السائب < لما اشتدت عليها الحمى أخذت تدعو عليها وتسبُّها، فقال لها رسول الله r :(لا تسبِّي الحمى، فإنها تُذهب خطايا بني آدم كما يُذهب الكير خبث الحديد), وربما انساقت الفتاة تحت وطأة المرض، والرغبة في الشفاء نحو الهجوم على الدواء، وتعاطيه على غير بيِّنه، وهذا مضرُّ بالبدن، فما أمكن علاجه بالأغذية: استُغْني به عن الأدوية، وما أمكن احتماله من الداء: تُرك بقدر ذلك الدواء، بل ربما تكلَّفت إحداهن الألم الجسمي تكلفاً، حتى تصاب بوسواس المرض، فتذهب "تبالغ في شأن علَّة جسمانية تصيبها، أو إخفاق، أو غيظ ينتابها، فتُعبِّر عنه بأعراض بدنية، تتجلى في صورة من الصداع، والآلام المبهمة، والاكتئاب، ونوبات من الإغماء"، وهذا المسلك معاكس تماماً لوسائل الشفاء؛ بل هو عين المرض، وسبب رئيس في استجلابه، وصورة من صور التشاؤم المنهي عنه، في الوقت الذي كشفت فيه بعض الدراسات العلمية عن فائدة التفاؤل للصحة الجسمية، فلا بد للفتاة أن تراعي ذلك من نفسها، وتتنبَّه لنوع سلوكها فتتجنب التمارض، وتصنُّع الألم، وتكثر من التفاؤل، وإحسان الظن.