11ـ اعتدال وزن الفتاة الجسمي

من حاجات الفتاة المُلحَّة في مرحلة الشباب اعتدال وزنها بين السمنة المفرطة، والنُّحولة المنهكة، فهي كما تعاني مشكلة الإفراط في النحولة فإنها أيضاً -بصورة أكبر- تعاني مشكلة الإفراط في البدانة، حيث الاستخفاف الاجتماعي، وسخرية الزميلات، ومعاناة اختيار الملابس الجاهزة، إلى جانب الإجهاد الصحي، وضعف الحركة، خاصة في هذا العصر، ومع بداية القرن العشرين، وبصورة أدق بعد الحرب العالمية الثانية؛ حيث ظهر التوجه بقوة -عبر وسائل الإعلام، وبيوت الأزياء- نحو رشاقة النساء، والميل إلى شيء من النحولة بدلاً من السمنة، التي كانت إلى عهد قريب معلماً من معالم جمال الفتاة، وضرورة مهمة لقبولها عند الرجال، حتى عدَّها بعضهم نصف الحسن، وأفضل ما تحلَّت به الفتاة، حتى "قيل: الجميلة السمينة، من الجميل وهو الشحم"، وما زالت بعض الأوساط الريفية حتى اليوم تمتدح الفتاة بسمنها، وامتلاء جسمها، وقد كان تسمين الفتيات للزواج في القديم معلوماً؛ فإن عائشة < لما أراد أهلها إدخالها على رسول الله r -وكانت صغيرة نحيلة- سُمِّنت بالغذاء كأحسن ما يكون، حتى تعجَّب الناس من سمنها؛ بل إن المبالغة في هذا الشأن، والإفراط فيه إلى درجة الفحش، وارتكاب بعض المحظورات الشرعية، والمكروهات السلوكية: كان مشاعاً في بعض الأوساط الاجتماعية في السابق، حتى إن بعض الفقهاء كانوا ينهون عن ذلك، وينبِّهون عليه.

إن هذا التغيُّر الجذري في مفهوم حجم الجسم لدى الفتاة المعاصرة - والمجتمع الحضري ككل- أدَّى إلى ردَّة فعل معاكسة تماماً للمفاهيم القديمة التي كانت سائدة، حيث قامت النحولة مقام السمنة، وخفَّة الوزن مقام العَبَالة، ونشط كثير من الفتيات لممارسة أقسى أساليب تخفيف الوزن ضمن نظام غذائي صارم: من الامتناع المفرط عن الطعام، والرياضة البدنية القاسية، والتدليك الجسمي، وتناول العقاقير الطبية إلى درجة أن طفرة النمو الطبيعية في هذه السن يعدُّها بعض الفتيات مظهراً من مظاهر السِّمن الذي يحتجن معه إلى تخفيف الوزن، حتى إن معالم الأنوثة الجسمية المميَّزة لهن تكاد تضيع، وتختلط بمظاهر الرجولة الجسمية، ضمن هذه الممارسات البدنية المفرطة، والمفاهيم الصحية المختلطة، التي تبلغ عند بعضهن درجة الهوس الممرض رغبة في مطابقة الصور المطروحة في السوق الإعلامية.

إن نهج الاعتدال هو القاعدة الأساسية التي تنطلق منها مفاهيم الإسلام لمعالم الصحة البدنية، فسعي الفتاة في زيادة وزنها، أو نقصانه بالوسائل المشروعة يخضع لهذه القاعدة، فكما يصح لها شرعاً أن تزيد فيه رغبة منها في البراعة الجسمية، فإن لها أيضاً أن تُنقص منه رغبة في الرشاقة والخفة، بشرط ألا تتضرر من ذلك صحياً، أو تتعطل عن القيام بواجباتها الدينية والاجتماعية، مع علمها بأن لأعضاء جسمها وظائف، لا بد أن يظهر كل عضو بوظيفته حراً سلساً دون زيادة أو نقص، فكما أن الزيادة تشين منظر أعضائها وتخلط بينها، فإن النقص يحجب تلك الأعضاء، ويُفقدها وظيفتها، والعارفون بأمر النساء يفضلون المعتدلة بين النحيلة والسمينة، ولئن كانت الخفَّة مطلوبة في الرجال لحاجتهم لسرعة الحركة: فإن السمن من الأوصاف المطلوبة في النساء مالم يُفرط، ويخرج عن الحد المعقول، وكثيراً ما كان الشاعر العربي يمتدح المرأة بميل أردافها عند المشي، وهذا لا يكون إلا ممن لها شيء من السمنة، ومع ذلك تبقى مقاييس البراعة الجسمية في المرأة موضع اختلاف بين الناس في المجتمعات والبيئات المختلفة، وجماع ذلك هو الاعتدال بين الإفراط والتفريط.

ولما كانت مشكلة السمنة - في هذا العصر خاصة - من أعظم مشكلات الفتيات الجسمية فإن أسبابها ترجع غالباً، وبصورة كبيرة إلى: الوراثة الطبيعية، وكثيراً ما تكون امتداداً للسمنة في مرحلة الطفولة، إلى جانب نوع الغذاء، وكميته، وأسلوب تناوله، وطبيعة الفتاة المزاجية المفرطة في التفاؤل والسرور، وطبيعتها الجسمية القابلة للسمن، كل ذلك يسهم بصورة أو بأخرى في حجم بدن الفتاة ووزنها، فلا بد للفتاة أن تراعي هذه الجوانب، فتأخذ من الطعام الجيد حاجتها وكفايتها دون زيادة، وتمارس من الرياضة البدنية - بضوابطها الشرعية- ما يستهلك الزائد من دهونها الجسمية، فإن الفتيات الرياضيات -في العموم- أقل سمنة من غير الرياضيات، وعليها أيضاً أن تراقب -بصورة مستمرة- وزنها مع طولها، فتراعي تناسبهما مع سنِّها، وأن تتجنب -في كل ذلك- التجويع البدني؛ فإن هذا منهك للبدن، ومضر بالصحة العامة، تماماً كما يضر بها الإفراط في الطعام.