ومن آثار الإيمان بالله تعالى: التحقق بمبدأ الولاء والبراء الذي يقوم على قضية فطرية في السلوك الإنساني تتمثل في مبدأ الحب والبغض، حيث يشغل هذا المبدأ مساحة كبيرة في كيان الإنسان، فلا بد له من أن يُحب، وأن يكره، وتكمن خطورة هذا المبدأ إذا توجَّه انفعال الحب أو الكره إلى أهداف خاطئة، فيقع في ألوان من الشذوذ والانحراف.
ومن هنا جاء التكليف بمبدأ الولاء والبراء، فوضع الشارع الحكيم للإنسان المؤمن مساراً وأهدافاً لهذا المبدأ: يحدد له من خلالها أين يدفع بطاقته، وشحنته الانفعالية – الحاملة للحب أو البغض – تجاه الأشخاص والأعمال والأشياء.
وقد وصف الله I كمال أصحاب محمد r في هذا السلوك الإيماني، فقد قال عز من قائل: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ …} [الفتح: 29]، فوصفهم باتجاهين متضادين أحدهما يحمل كمال الغلظة نحو الكافرين، والآخر يحمل كمال الشفقة للمؤمنين، بمعنى أن المحبة تستلزم الاتفاق والتقارب، كما أن التباغض يستلزم التباعد والاختلاف. يقول أبو حامد الغزالي ~ٍٍِِ : إن كل من يحب في الله لا بد أن يبغض في الله… ومن أحب بسبب فبالضرورة يبغض لضده، وهذان متلازمان لا ينفصل أحدهما عن الآخر".
وقد حدد الشارع الحكيم أولياءه المؤمنين، وأعداءه الكافرين، فجعل المحبة للمؤمنين، والبغض للكافرين، فمن فعل المأمور وترك المحظور فهو وليٌّ لله تعالى تجب محبته، دون النظر إلى لونه ، أو جنسه، أو طبقته، قال الله تعالى مفرقاً بين الصنفين في المنزلة: {أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَّا يَسْتَوُونَ} [السجدة: 18].
وقال I في مبدأ معادة الكافرين: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ } [النساء:144] وقال أيضاً: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ..} [المائدة:51] ففي هاتين الآيتين دلالة واضحة على وجوب النفرة من الكافرين عموماً، ومن اليهود والنصارى خصوصاً، واجتناب الركون إليهم بالود،أو الموالاة، وهو مضمون ما أشار إليه رسول الله r من ضرورة بغضهم حتى مَنَعَ من ابتدائهم بالسلام.
ويدخل في هذا المبدأ الإسلامي العظيم: حب ما أحبه من الأعمال والأشياء والعكس أيضاً، فمن أحب الله: أحب كل ما يحبه الله، وأبغض كل ما يبغضه I فإن " من لم يكن في قلبه بغض ما يبغضه الله ورسوله من المنكر الذي حرمه من الكفر والفسوق والعصيان، لم يكن في قلبه الإيمان الذي يوجبه الله عليه، فإن لم يكن مبغضاً لشيء من المحرمات أصلاً لم يكن معه إيمان أصلاً"، وهذا محك في غاية الخطورة؛ فإن الفتاة تعرِّض إيمانها للانهيار بميل قلبها نحو مبغوضات الله، أو بغضها لمحبوبات الله تعالى، بل إن تجاهل حال الكافرين، وسوء مصيرهم عند الله، كأن يقول المسلم: "لا أدري الكافر في الجنة أو في النار"، أو يقول: "لا أدري أين يصير الكافر"، هذه الجهالات ونحوها لا تفيد- على الحقيقة- إلا كفر صاحبها والعياذ بالله، لاسيما من نشأ في بلاد المسلمين، وعرف عقائدهم.
ولعل من أخطر ما يعرِّض هذا المبدأ للانهيار ما تواجهه الفتيات المسلمات اليوم من موجة التغريب التي تستهدف تكريس النموذج الغربي للفتاة المعاصرة، مع حملهن على أنماط اجتماعية وسلوكية مغايرة للمفاهيم الإسلامية، وجعلهن هدفاً مباشراً من أهداف النشاط التنصيري. وهذا يتطلب مواجهة هذه الخطط بما يماثلها، مع إحياء مبدأ الولاء والبراء الذي يستلزم النفرة من الأعداء الكافرين، والمحبة للمؤمنين؛ فإنه لا بد أن يكون لهذا المبدأ دور فعال في التخفيف من حدة الغزو الثقافي الخطير.