إن ارتباط السلوك البشري في الحياة باليوم الآخر، وما يتصل به من ثواب وعقاب: يُعد من أعظم وسائل تقوية الإيمان بيوم القيامة، فإذا علم المكلَّف أنه مجاز بعمله في الآخرة: كان ذلك حافزاً له لاستحضار ذلك اليوم في نفسه، ومساعداً له على تحسين العمل، وموافقة الشرع.
وتظهر هذه الحقيقة في القرآن الكريم حيث ربط الباري I كثيراً من الأحكام بالإيمان به وبلقائه، فعند الحديث عن المطلَّقة –مثلاً– يقول U : {… وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ…} [البقرة:228]، فالمرجع في مثل هذه المسائل إليهن، إذ لا يعلم أحد على الحقيقة حصول الحيض، أو الحمل إلا من جهتهن، فعلق صدق إيمانهن بالله واليوم الآخر على صحة البيان وعدم الكتمان.
ويقول I في مسألة الحب والبغض، وعلاقة ذلك باليوم الآخر: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ….} [المجادلة:22] فوجه سبحانه المكلفين من المؤمنين إلى أثر الإيمان بالله واليوم الآخر وارتباطه الوثيق بمبدأ البراءة من المشركين.
وفي الجانب الاجتماعي وعلاقته باليوم الآخر يقول الرسول r - فيما رُوي عنه-( أيُّما مؤمن أطعم مؤمناً على جوع أطعمه الله يوم القيامة من ثمار الجنة، وأيُّما مؤمن سقى مؤمناً على ظمأ سقاه الله يوم القيامة من الرحيق المختوم، وأيُّما مؤمن كسا مؤمناً على عري كساه الله من خضر الجنة) فالربط بين العمل الصالح في الدنيا، وجزائه في الآخرة، حافز قوي للتحقق بالسلوك الاجتماعي الكريم.
ويقول u في الجانب الخلقي معلِّقاً ذلك السلوك بعقيدة اليوم الآخر:( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته… ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) ويقول عليه الصلاة والسلام في الجانب الاقتصادي:( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يأخذنَّ إلا مثلاً بمثل), وفي الجانب الصحي أيضاً، في مسالة شرب النبيذ المتخمِّر يربطه رسول الله r بقضية الإيمان بالله واليوم الآخر، فقد قال أبو هريرة t:(أتي النبي r بنبيذ جرِّ يَنشُّ، فقال: اضرب بهذا الحائط، فإن هذا شراب من لا يؤمن بالله واليوم الآخر), فحتى الشراب الممنوع إذا هُدِّدَ متعاطيه باليوم الآخر: كان له حافزاً قوياً على تركه.
إن هذا الاتصال الوثيق بين السلوك الدنيوي بمظاهره المختلفة ، وبين الإيمان باليوم الآخر يبعث في نفس الفتاة المؤمنة اندفاعاً قوياً نحو اليقين باليوم الآخر، لارتباط الأعمال الحياتية ومظاهرها به، حيث تلمس الفتاة ، وتستشعر قضية القيامة، ولقاء الله تعالى في كل سلوك تسلكه، وفي كل عمل تتعاطاه، بل وحتى في كل إرادة تنويها، وتقصد إليها.