12ـ دور الإيمان بالله في توحيد نوازع شخصية الفتاة

يقوم التصور الإسلامي على مبدأ التوحيد الذي يتمثل في توحيد جهة التَّلقِّي، وتوحيد جهة التوجُّه، وهي مضمون قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] وهي أيضاً مضمون كلمة التوحيد العظمى: "لا إله إلا الله" والتي تحمل أبلغ صيغ حصر الألوهية لله تعالى وحده، فالقاعدة التي تقوم عليها العقيدة الإسلامية: "أن الألوهية واحدة لا تتعدد: هي ألوهية الله سبحانه، والعبودية تتمثل في كل ما وراء ذلك" فإن أكبر أصول عقيدة الإسلام: وحدانية الله تعالى، وأن جميع المخلوقات من أشرفها إلى أدناها عبيده، فهي ألوهية يتفرد بها الله U، وعبودية يشترك فيها كل ما سوى الله من الخلائق دون استثناء، وهذه قاعدة الكون، حيث خص الله نفسه بالوحدانية، وجعلها دليلاً عليه، وجعل قاعدة الخلق هي الازدواجية.

ومن هنا فإن إعلان الشهادتين في حقيقته: "إشهار وتسجيل للانتماء الإرادي إلى الأمة الربانية بعد الإيمان بمبادئها الفكرية والاعتقادية العظمى ، وعناصرها التفصيلية، والتزام بإسلام القياد في مسيرة الحياة لله الرب الخالق الباري… ثم لرسوله المبلغ عن ربه"، مع الإدراك بأن أي تلقٍّ من غير هذا المصدر الوحيد، أو إرادة غيره بالعمل ، يعد خروجاً عليه يستلزم العقوبة، قال الله تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا } [النساء:116]، وقال رسول الله r :( لا طاعة لبشر في معصية الله), وقال أيضاً:(من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله : حرم ماله ودمه...).

إن هذا التوجُّه للشخصية الإنسانية يسري ليشمل كل جوانب الحياة، بكلياتها وجزئياتها، بل حتى خلجات النفس وهواجسها، فضلاً عن الشعائر التعبدية، والأفكار والتصورات والمشاعر والعواطف التي تصدر عن الإنسان، كل ذلك يدخل ضمن مفهوم العبودية لله تعالى وتوحيده.

وقد عبَّر ابن تيمية رحمه الله عن معنى العبادة بصورة دقيقة فقال: هي "اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة"، وعلى هذا الفهم تكون الجزئيات – فضلاً عن الكليات – مرتبطة برباط وثيق بأصل العقيدة، كما ينبعث من الأصل الاعتقادي روح فعالة يسري في كل جوانب النشاط الإنساني – الظاهر والباطن، العظيم والحقير – ليحكمه بالإرادة الإلهية المطلقة. وقد عبر رسول الله r  عن هذه القضية الكبرى بمثال يهدم كل فكرة، أو تصور يروم إخراج أيِّ جزء من سلوك الإنسان، أو تصوراته ومعتقداته – مهما كان صغيراً- من مفهوم الدين والتوحيد والعبودية، فقال: "…. وفي بضع أحدكم صدقة …" فلم يترك u  حتى هذه الجزئية التي قد يغفلها البعض ويخرجها عن مجال العبادة والتوحيد.

هذا التصور لتوحيد النوازع الإنسانية المختلفة يبعث في نفس الفتاة – مع الاطمئنان والسكينة النفسية- توحيد الشخصية ، ومعرفة الهوية في سنٍّ تتعرض فيها لتغيرات نفسية وجسمية وعاطفية كبيرة، وتقلبات في المشاعر والأفكار والاتجاهات، تسعى من خلالها باحثة عن هويتها الذاتية، لتستقر عليها، فيأتي هذا الأثر الإيماني المنبعث من الإيمان بالله تعالى ليضبط هذه المشاعر والاتجاهات، ويوحِّد مسارها إلى الله تعالى في منهج إيماني متكامل.