10ـ شعور الفتاة بالمراقبة الربانية

لقد أوضح القرآن الكريم في مواضع متعددة، أن الله U محيط بعباده، ولا يخفى عليه من أمرهم شيء ، حتى خلجات النفس، والمقاصد والنيات، فيقول I: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق: 16] ويقول عز من قائل: {….وَهو مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الحديد: 4] فهو مع خلقه بعلمه وقدرته عليهم أينما كانوا، لا تغيب عنه أفعالهم، ولا إرادتهم الصالحة أو الفاسدة، فهذه الإحاطة، وهذا السلطان الرباني الذي لا يحده شيء، لو أدركته الفتاة، وأيقنت به: أورثها حياءً من الله يدفعها نحو تحمل أعباء الطاعة وامتثال الأوامر.

والعجيب في كثير من شباب هذا العصر قلة مراقبتهم لله تعالى، على الرغم من طبيعة الانبعاث الإيماني في هذه السن، ومع ذلك فقد دلت إحدى الدراسات الميدانية أن الخوف من الله تعالى يأتي في آخر العوامل التي تمنع الطالب من الغش في الاختبارات، في حين تأتي شدة الأساتذة في المرتبة الأولى للأسف الشديد.

ومن مظاهر الإحساس بمراقبة الله تعالى: الشعور بالذنب، والتقصير في جنب الله تعالى. وغالباً ما تعاني الفتيات من هذا الإحساس فينبعث في نفوسهن الشعور بالاثم عند إهمالهن أداء الصلاة – مثلاً- خوفاً من عقاب الله تعالى، ويملن نحو القرب من الله تعالى، والأنس به.

وهذا الشعور ليس مقصوراً على الفتيات المؤمنات فحسب، بل حتى غير المسلمات يشعرن بذلك، وينتابهن نفس الإحساس، فهذه فتاة غربية في المرحلة الثانوية تعترف بتقصيرها في جنب الله تعالى فتقول: "أنا أحمل الهم إلى درجة زائدة، بسبب أن معتقداتي الدينية مضطربة، كما أن حياتي مخالفة تماماً لتلك التي أرى المتدين الحق لابد أن يحياها". إن هذا الشعور يكاد يكون عاماً بين الفتيات مما يعتبر رصيداً جيداً لإحياء الشعور بمراقبة الله تعالى في نفوس الفتيات المتوجهات نحو النضج الخلقي، والجسمي.

ومن مظاهر الشعور بمراقبة الله تعالى أيضاً: وجود ذلك السلطان الداخلي الذي يبعث النفس، أو يكفها عن الخطأ في الوقت الذي أخفق فيه السلطان الخارجي في ضبط سلوك الإنسان، وكفه عن اقتراف الجرائم والموبقات، فلم يعد سوى ضابط الوازع الداخلي لإيقاف اندفاع الإنسان المنحرف عند حده. إنه وخز الضمير الذي يغذيه الإيمان بمراقبة الله تعالى فيكف صاحبه عن ارتكاب الخطأ، وفي الحديث:(لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن…), بمعنى أن الإيمان بهذه المراقبة الربانية هو العاصم الحقيقي وراء إحجام الصالحين عن المعاصي والآثام.

وقد دل الواقع على أن تأثير الضمير الحي أبلغ من الضابط الاجتماعي المتمثل في العادات والتقاليد ، فإنها لا تصمد أمام المغريات بغير الوازع الداخلي من الضمير الحي، فهذه العادات المتوارثة والتقاليد تنهار برمَّتها أمام الغزو الثقافي الغربي الذي تمثل في ملابس النساء القصيرة التي غزت الأسواق العربية، فلبستها المرأة العربية كاشفة عورتها دون حياء أو خجل. في حين نجد أن المرأة العربية المؤمنة لما هوت في المعصية عندما غفل ضميرها، هبت معترفة – بعد يقظتها- لطلب التطهر من آثار المعصية، رغم شدة العقوبة وصرامتها.

لقد ثبت يقيناً أن الضمير أقدر على ضبط السلوك الإنساني من أي ضابط آخر، فالإنسان أشد ميلاً إلى الحكم الداخلي الذاتي، وأكثر تأثراً بوخز الضمير من مجرد نقد الآخرين.