يظهر واضحاً في منهج التربية الإسلامية أن الدعوة إلى الجماعية والوحدة، ونبذ الفرقة والفردية من أعظم مقاصد هذا الدين للحياة الدنيا، إلا أن الشأن يختلف في الحياة الأخرى، فإن الفردية تبرز في أشد صورها، وأعلى مظاهرها، فتتمثل في رغبة شخصية عارمة للنجاة والفوز، مع إغفال تام لكل الصلات الاجتماعية، مهما كانت حميمة، حيث تواجه كل نفس – منفردة- مصيرها الخاص، الذي لا يتأثر بمصائر الآخرين.
إن هذا الشعور دفع المرأة المسلمة الأولى للإيمان بالله ابتداء، دون مشورة من أحد، أو استئذان من أحد، منطلقة من المسؤولية الفردية. فهذه الفتاة الصغيرة أم كلثوم بنت عدو الله عقبة بن أبي معيط، تهاجر على قدميها إلى رسول الله r وهي بعد بكر لم تعرف الحياة. ووصيلة بنت وائل بن عمرو بن عبد العزى لم يمنعها إحجام قومها عن الإسلام؛ أن تكون أول من أسلم وهاجر من قومها. ولم يمنع تطاول قريش، وشططها من أن تكون الشفاء أم عبد الرحمن بن عوف رابع من أسلم، وأسماء بنت عميس رضي الله عنها من أوائل من أسلمن من النساء قبل دخول النبي r دار الأرقم. وكذلك أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما تختار هذا الطريق وهي فتاة في السابعة عشرة من عمرها. وأم سعيد بنت بزرج لما قُرئ عليها القرآن لم تتباطأ عن الإسلام، فكانت أول من أسلم من أهل اليمن.
إن إدراك الفتاة المسلمة المعاصرة لطبيعة المسؤولية الفردية أمام الله تعالى يدفعها إلى المبادرة الشخصية تجاه هذا الدين، في صورة استشعار ذاتي بضرورة استيعاب الخطاب التكليفي، ومن ثم المسارعة في تطبيقه، والعمل به.
ولعل من أبلغ الأمثلة على هذا الاستشعار، موقف الفتاة التي أمر رسول الله r المغيرة بن شعبة t أن ينظر إليها لما همَّ بخطبتها، فتردَّد والدها في تطبيق الأمر، فلما سمعت الفتاة بأمر رسول الله r وهي في خدرها قالت" إن كان رسول الله r أمرك أن تنظر، فانظر…" وكذلك قصة جليبيب الذي اختاره رسول الله r للزواج من فتاة كره والدها زواجها منه حيث قالت الفتاة لهما: "أتردون على رسول الله r أمره، ادفعوني إلى رسول الله r فإنه لن يضيعني…".
إن هذا الإدراك للمسؤولية الفردية أمام أحكام هذا الدين، هو الأساس في بناء شخصية الفتاة المسلمة الملتزمة بالدين، التي تصمد أمام المتغيرات الاجتماعية الكبيرة، والانحرافات الكثيرة التي يتعرض لها الشباب في هذا العصر.