7ـ انقياد الفتاة بالطاعة للرسول الكريم

إن الإيمان بالرسل عليهم الصلاة والسلام وبخاتمهم على الخصوص، لا ينحصر في المحبة القلبية التي ليس لها شاهد من واقع الحياة العملية التطبيقية، فإن طاعة المحبوب وموافقة مراده من أعظم أدلة صدق المحبة وخلوصها.

إن الغاية الكبرى من إرسال الرسل عليهم السلام إلى الناس: تحقيق مرادات الله تعالى من خلال طاعتهم كما قال I : {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ ……} [النساء: 64] فإذا لم يتمثل سلوك المكلفين من المؤمنين بالطاعة للرسل كان سلوكهم أعظم دليل على وجود خلل في محبتهم، وشوائب في صدق إخلاصهم في دعوى الإيمان.

ورسالة النبي الأعظم محمد r تمثل أعظم وأفضل الرسالات السماوية وأكملها حيث وصلت البشرية إلى المرحلة التي استكملت فيها نسبة من التطور تؤهلها لأن تكون أمة واحدة، تعمل برسالة واحدة: فأرسل الله رسوله محمداً صلوات الله عليه… برسالة هي خاتمة الرسالات الربانية والجامعة لجميع شرائع الله للناس، فتلخصت بذلك طاعة المكلفين للرسل الكرام، عموماً، وانحصرت في طاعة خاتمهم محمد r بعد بعثته؛ إذ حمل أعباء الرسالة الربانية الأخيرة، والناسخة لما سبقها من الشرائع والسنن، والتي ارتضاها I لتكون معياراً ثابتاً ودائماً للمكلفين؛ لضبط صدق الطاعة والإيمان، كما قال الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران:81]، ففي الآية إشارة إلى ما أخذه الله تعالى من المواثيق على جميع النبيين وأممهم بأن يؤمنوا بالرسالة الخاتمة، وبصاحبها محمد r ، فاعتبر ما سبقها منسوخاً بها، لا يصح العمل به، لكونه عليه الصلاة والسلام مبعوثاً للناس كافة، كما قال I: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا …..} [سبأ: 28].

ومن هنا ألزم I عباده المكلفين بطاعة الرسول r صاحب الرسالة الخاتمة فقال: {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} [النساء: 80]، وجعل الله U طاعته دليل صدق الإيمان فقال: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} [النساء: 65] وجعل الله طاعته وسيلة دخول الجنة فقال عليه الصلاة والسلام:( كل أمتي يدخل الجنة إلا من أبي، قالوا: ومن يأبى يا رسول الله، قال: من عصاني فقد أبى), وهذه الطاعة شاملة لكل ما جاء به الرسول r قرآناً كان أو سنة، فهما كالشيء الواحد، فكما كان جبريل u ينزل بالقرآن فقد كان ينزل أيضاً بالسنة يُعلِّمها النبي r .

لقد كان لهذه التوجيهات الربانية والنبوية أثرها البالغ في جيل الصحابة رضي الله عنهم ؛ إذ كانوا يعتبرون توجيهاته u ملزمة لهم، لا يخرجون عنها، فهذه فاطمة بنت قيس رضي الله عنهما لما خطبها رسول الله r لأسامة بن زيد رضي الله عنهما كره أهلها ذلك النكاح لانخفاض مقام أسامة وأبيه من جهة الشرف والمكانة، فقالت: (( لا أنكح إلا الذي دعاني إليه رسول الله r فنكحته )).

وهذه أم شريك لا ترى لها حقاً في قتل الوزغ حتى تستفتي رسول الله r في جواز ذلك، ولما أمر الرسول r بصيام عاشوراء: لم تجد المرأة المسلمة بداً من أن تصومه وتعاني تدريب الصغار على صيامه؛ حين كان صيامه مفروضاً على المكلفين، ومستحباً لغيرهم.

إن قناعة الفتاة المؤمنة بأن الخير دائماً في امتثال أمر الله تعالى المتمثل في طاعة الرسول r يحررها من هوى نفسها، وهوى غيرها من الخلق، ويحفظ لها توحيدها، فإن المكلف ينقص من توحيده بقدر ما يخرج عن طاعة الرسول r .