ويقصد بالحاكمية لله تعالى: أن يقوم العبد المؤمن بتحقيق مراد الله تعالى ظاهراً وباطناً حسب استطاعته، فالشريعة إنما وضعت لعتق المكلفين من أهوائهم؛ حتى يكونوا عبيداً لله تعالى اختياراً، كما هم عبيد له اضطراراً، وهذا مضمون معنى العبادة ومستلزماتها من الذل والخضوع والانقياد.
والكتب تمثل إرادة الله تعالى من عباده باعتباره –I - مصدر السلطان الأول والأخير في الوجود، فتتلمس الفتاة من خلال تطبيق الكتاب: مرادات الله تعالى في كل جزئية وكلية، وتشعر بارتباطها جميعاً بجذور العقيدة؛ فلباس الفتاة – مثلاً- ليس بذي قيمة حقيقية إن لم يكن تعبيراً عن موقف فكري، ومبدأ تؤمن به وتمارسه في واقع الحياة، فما قيمة الحجاب إذا كان الدافع لارتدائه العادات والتقاليد "الهشة" وليس حكم الله تعالى، وما قيمة أيِّ سلوك تقوم به الفتاة إن لم يكن صارداً عن جذْر الإيمان بحق الله تعالى في الحكم والتشريع.
إن القيمة الحقيقية التي تقوَّمُ بها الأعمال هي: قدر حظِّها من الارتكاز على الاعتقاد وأصول الإيمان، المتمثل في استشعار الرغبة الصادقة في تحقيق مراد الله تعالى، وحاكميته في واقع الحياة من خلال السلوك الذي وصفه في الكتاب ورغَّب فيه، مع ربط كل عمل من الأعمال الإرادية الظاهرة أو الباطنة بأصل المعتقد.
ولقد تعرَّض مبدأ الحاكمية -بهذا المعنى- في العصر الحديث ـ ولا سيما بعد الثورة الفرنسية عام 1789م وظهور مبادئ الديموقراطية وحقوق الإنسان ـ إلى هزَّات شديدة أخذت تنقل الإنسان – ولا سيما الأوربي- بالتدريج بعد مراحل طويلة من الخسف والإذلال إلى مراتب عالية، قد تصل في علوِّها إلى حد الإلهية، فيسبغ على نفسه من خلال مبادئ الحرية والديموقراطية – خصائص الإلهية في الحكم والتشريع والسلطة، التي لا تكون إلا لله تعالى وحده.
ومن آثار الإيمان بالكتب انضباط سلوك المكلفين بمقتضيات الشريعة التي بيَّن فيها الوحي الرباني نهج السلوك الإنساني المرضي في العبادات، والمعاملات، وفي جوانب الحياة المختلفة، بحيث تكون معالم السلوك التي أوضحتها الشريعة: حجة على الناس وليس العكس، وتكون مقرراتها الخلقية ضوابط لسلوك الإنسان، بحيث لا تختل مقررات الشارع الحكيم عند الفرد فيما هو مصلحة أو مفسدة على الدوام، مصداقاً لقوله عليه الصلاة والسلام:(الحلال ما أحل الله في كتابه، والحرام ما حرم الله في كتابه..), بمعنى التزام قضاء الله التشريعي دون اختيار، مصداقاً لقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ } [الأحزاب: 36] مع ضرورة الرضا القلبي بأوامر الله تعالى، ومحبتها، بحيث تحب الفتاة ما أحبه الله، وتبغض ما أبغضه الله، ويكون التزامها بالأحكام: باعتبارها ضوابط سلوكية محبوبة، وليس باعتبارها قيودًا دينية مكروهة كما يظهر من بعضهن.