من أعظم آثار الإيمان بالله تعالى: وجود هذا الشعور العميق والملح في النفس الإنسانية الذي يجعلها في حاجة وفقر دائم إلى الله تعالى، تستمد منه العون والعطاء، خاصة في وقت الشدائد والمحن. ويستوي في هذا الشعور المؤمن والكافر، وحتى الملحد الذي ينكر وجود الله تعالى، فإن المحن تزيل الشبهات، وتبعث الإيمان.
إن كل ما في هذا الكون مدين في وجوده إلى الله تعالى، ومفتقر إليه سبحانه من أجل بقائه ودوامه، قال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ } [الأنعام: 73 ] وقال أيضاً: { وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [الفرقان: 2] وقال U : {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} [سورة فاطر: 41].
وهذه الحاجة دائمة لا تنقطع مهما تقدم الإنسان في علومه ومعارفه ومهما بلغ من السيطرة والتحكم في المادة، فهو قلق مضطرب، حتى يرجع إلى القوة الإلهية يستند إليها، فلا يتصور في وقت من الأوقات أن يأتي يوم على الإنسان يشعر فيه بالاستغناء عن الله تعالى.
إن التصور الإسلامي ينكر ما ذهب إليه البعض، من أن اللجوء إلى الله أو الدين كان لمجرد حاجة مرحلية في فترات زمنية مرت بالإنسان دفعته إلى هذه المعتقدات، متناسين أن اللجوء إلى الله تعالى، والافتقار إليه حاجة فطرية في كينونة الإنسان، كحاجة الطعام والشراب، بل اعتبر الإسلام مجرد شعور الفرد باستغنائه عن الله طرفة عين: كفراً كما دل البحث الميداني الذي أجري على مجموعة من الفتيات: على أن الرغبة في اللجوء إلى الله، والحاجة الماسة للقرب منه I كانت واضحة في كتابات الفتيات الحرة، فهذا مما يشير إلى عمق هذا الشعور في كيان الإنسان لو ترك على حاله دون تدخُّل مفسد.
إن الاستشعار الدائم بالضعف ضروري للإنسان، فإنه يُثير في النفس انفعال الخضوع، وهو بالتالي يدفع نحو سلوك طريق الطاعة، فيكون شعور الفتاة بالحاجة إلى الله تعالى الدائمة وسيلة جادة تدفعها نحو الانهماك في طاعة الله تعالى والأخذ بأوامره، واجتناب نواهيه، بحيث يشمل هذا الشعور كل تفصيلات الحياة، ومتطلباتها كما رُوي عنه r :(ليسأل أحدكم ربه حاجته حتى يسأله شِسْعَ نعله إذا انقطع), فلم يترك منهج الإسلام التربوي مجالاً للإنسان المسلم بأن ينقطع عن ربه طرفة عين ولا أقل من ذلك.