3ـ اعتدال الفتاة في نهج التَّنَسُّك

يُعد الاعتدال في منهج العبادة، والترقي الروحي من وسائل التنمية الروحية لكونه طريقة ناجحة للمداومة على الأعمال الصالحة، فإن المشادَّة لا تصل بصاحبها إلى شيء، وقد نهى عنها رسول الله r فقال:(إن الدين يُسر، ولن يُشادَّ الدين أحد إلا غلبه ، فسددوا وقاربوا),وبين u لعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما لما أمعن في التَّنسُّك: أن للبدن حقاً في الرعاية، وكذلك للأهل، ولمن حوله من أصحاب الحقوق في الحياة الاجتماعية العامة، بحيث لا تستهلك مناهج العبادة – بمعناها الخاص- كل نشاط الإنسان الحيوي، فتتعطل مصالح الدنيا.

ولما كان للفتيات من التفوق الديني والخلقي ما قد يسوق بعضهن إلى مزيد من الانهماك في أداء الشعائر التعبدية والتَّبتُّل، حتى يخرجن عن نهج الاعتدال، وربما يصلن إلى درجة الخبل والجنون، فإن رسول الله r كان يعيدهن إلى المذهب الوسط، كلما وصله عن بعضهن شيء من المبالغة، فهذه أخت عقبة بن عامر رضي الله عنهما، نذرت أن تمشي إلى البيت الحرام، فقال رسول الله r :( لتمشِ ولْتركب), ولما أخبرته عائشة رضي الله عنها عن امرأة تكثر من العبادة ، وتخرج عن نهج الوسط، قال u مه، عليكم بما تطيقون، فوالله لا يمل الله حتى تملوا) وهكذا نرى رسول الله r يردهن إلى المنهج الوسط والاعتدال عند كل انحراف أو غلو.

ولا يفهم من هذه التوجيهات رفض التنسك والتفرغ للعبادة؛ فإن العبادة تفقد لذتها ما دام الإنسان منهمكاً في نمطية الحياة اليومية دون انسحاب. ولكن المقصود بالاعتدال في التربية الروحية: أن يعقد المسلم بينه وبين ربه U صلة دائمة لا تنقطع، تلازمه في كل حين، ومع كل خاطرة وفكرة، بحيث يجعل كل نشاطه – الواجب والمباح- عبادة مع المداومة الكاملة دون انقطاع.