الأسرة الممتدة، أو العائلة الممتدة هي العائلة التي تضم ضمن نطاقها الأسري أكثر من جيلين من الأبناء، تربط بينهم علاقات اجتماعية حميمة، وتصورات فكرية متشابهة، ومصالح اقتصادية حيوية مشتركة، وهي نمطٌ اجتماعي كان إلى عهد قريب مصدر الفرد الثقافي -ذكراً كان أو أنثى- ومورده المالي، ودليل صحته العامة، وملاذه النفسي والروحي، وذلك عندما كانت العائلة وحدة إنتاج واستهلاك، وسلطة اجتماعية في وقت واحد، حين كان الجميع بما فيهم الفتيات يعملون لصالح الأسرة، وفي سبيل خدمتها وتنمية ثرواتها، بحيث تبقى الفتاة في هذا الوسط الاجتماعي الفاعل مكفولة اقتصادياً، تُنتج وتستهلك في الوقت نفسه، متحررة من العبودية المقيتة لأرباب العمل الأجانب، ثم لم يلبث هذا الوضع العائلي طويلاً بعد الثورة الصناعية الغربية وآثارها العالمية حتى تفتَّت إلى أسر صغيرة نووية الحجم، مفككة الأجزاء، متباينة المفاهيم، يختلف أفرادها في كل شيء من جليل الأمر وحقيره، ليس بينهم روابط اجتماعية أو اقتصادية يخشون زوالها.
وبناء على هذا لم تعد العائلة الأم ملْهمة الفرد التربوية، حين تولت المدرسة هذه المهمة، ولم تعد ملاذ الفرد الصحي حين تولت المصحات هذه المسؤولية، ولم تعد ملجأ المسنين حين تولت الملاجئ هذه الرعاية، ثم هي فوق ذلك لم تعد مورد الفرد الاقتصادي حينما اغتصبت منها المؤسسات الخارجية وسائل التنمية والإنتاج، فلم تعد أكثر من أداة مضطربة للإنجاب، تتنازعها مخاوف الانفجار السكاني، وتعوقها موانع الحمل في جو ملوَّث بالشبهات والشهوات، بعد أن أصبح الولد عبثاً اقتصادياً معطلاً في حين كان ضمن العائلة الممتدة عنصراً مهماً للإنتاج والتنمية، وأصبح في الجانب الاجتماعي مشكلة نفسية وخلقية حين فقد تكرار نماذج الوالدين في شخصيات أخرى من أعضاء الأسرة الممتدة، وكانت الفتاة هي الخاسر الأكبر في كل هذه التغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي انتابت العائلة الممتدة حين اضطرت أن تقوم بنفسها بعد أن تخلى عنها الجميع، حتى أصبحت العلاقة واضحة بين الأسر النووية الحجم والفتيات العاملات خارج البيوت.
إن هذا الوضع المجذوم للشكل العائلي لا يمكن إصلاحه بصورة صحيحة إلا من خلال إعادة بناء مفاهيم القبيلة والجماعة والقرابة على مبادئ: صلة الرحم، والتعاون الجماعي، والتكافل الاجتماعي التي جاء بها الإسلام، بحيث تُفرَّغ هذه المفاهيم الوشائجية من نوازعها الجاهلية، وبواعثها العِمِّيَّة -كما حصل في الزمن الأول- لتبقى ضمن مفهوم "العاقلة"، الذي يقوم على مبدأ التكافل الاقتصادي في نظام التشريع الجنائي الإسلامي، ومن ثم تقوم بين أفراد العائلة الواحدة المتكاتفة بواعث التعاون الاقتصادي الذي ندب إليه الإسلام، والذي تفرضه طبيعة التجمع القرابي، فتقوم بينهم مشروعات استثمارية صغيرة، بجهود ذاتية متواضعة، يشترك في بنائها الجميع الذكور والإناث بالتمويل والعمل، كلٌ حسب قدرته، ودرجة كفاءته، فتستغنى الأسرة بإنتاجها الاقتصادي، وتستغل طاقاتها المتاحة، وتمنح شبابها العاطل فرصاً للعمل، وتحفظ فتياتها من ذلِّ الضرب في الأرض، مع إسهامها -غير المباشر- في اقتصاديات البلاد العامة.
وقد شهد الواقع العملي بالجدوى الاقتصادية لمثل هذه المبادرات التنموية المتواضعة؛ فإن العديد من المشاريع الصناعية المعاصرة تقوم على جهود بضعة من العمال، وميزانيات مالية صغيرة لا ترهق الفئام من أبناء الأسرة الممتدة، وقد أوضحت الإحصائيات أن (60%) من النساء العاملات في اليابان إنما يعملن في مشروعات صغيرة خاصة بالأسرة، وتحقق إحداهن مع باقي الشعب إدخاراً مالياً يصل إلى (21%) من دخلها العام، مما يجعل لهذه المشروعات إيجابية كبيرة في بناء اقتصاد الأسرة الممتدة، ويتيح للفتاة فرصاً استثمارية ناجحة من جهة، ومأمونة من جهة أخرى.