13ـ تدريب الفتاة على العمل الحِرَفي المُنتج

المقصود بالعمل المنتج هو العمل الصالح بمعناه العام أياً كان معنوياً أو مادياً، بحيث تنتج الفتاة في هذا الرصيد الصالح بقدر ما تستهلك على الأقل، فلا يفوتها ضمن زمن التكليف والقدرة ساعة في غير إنتاج إيجابي جاد: فالذكر، والكلمة الطيبة، والتفكر الناضج، والنية الصادقة كلُّها عمل صالح مثمر، كما أن الحرفة والمهنة من وسائل الإنتاج الصالحة.

ورغم سعة الإنتاج الإيجابي في الميدانين المعنوي والمادي فإن صفتي الفتور والغفلة كثيراً ما تكتنفهما فتطبع الميدان المعنوي بالذهول، وتطبع الميدان المادي بالكسل، فرغم وضوح القيمة الإنتاجية الصالحة للعمل المعنوي في المجتمع المسلم؛ فإن قبول العمل اليدوي المُنتج يكتنفه الغموض والشك في كونه قيمة إنتاجية صالحة تستجلب الثواب الرباني، وتستحق التقدير الاجتماعي، حتى إن الهروب منه، والترفع عنه يكاد يصبح صفة اجتماعية عامة للشباب عموماً، وللفتيات خصوصاً، وذلك رغم الحث الدولي العام للدول النامية نحو العمل الفني بشعبه المختلفة، والتشجيع المستمر من الجهات المحلية المختصة.

إن مما لاشك فيه أن للنظام التعليمي في البلاد الإسلامية دوراً كبيراً في إضعاف مكانة العمل اليدوي في نفوس الشباب والفتيات، كما أن الطبيعة الاستهلاكية التي أفرزتها الحضارة الصناعية المعاصرة أسهمت هي الأخرى في إضعاف دور المنزل كوحدة إنتاج واستهلاك اقتصادي في وقت واحد، إلا أن أهم من هذا كلِّه الذهول الاجتماعي عن مكانة اليد الصانعة المنتجة في التصور الإسلامي، حيث يغفل المجتمع عن الإجلال الكبير الذي يوليه الإسلام للصُّنَّاع عموماً على اختلاف مراتبهم، ابتداء من مهارات المنزل اليدوية السهلة كالطبخ ونحوه، وانتهاء بأعلى مهارات الإنتاج الصناعي والحرفي المُتقن.

إن المجتمع الإسلامي الفاعل، الذي يعيش الفكرة الإسلامية يحارب البطالة في كل صورها، ويعتبر "العمل من أهم طرق الكسب وتحقيق الثروة"، ويجعل من الحرفة الشريفة درعاً للكرامة والعزة الإنسانية، وعلامة صادقة على كمال المروءة والعفة، ولهذا كان الشاب يسقط من عين عمر t  إذا لم تكن له حرفة يتقنها، وقد قيل في الحكم: "قيمة كل امرئ ما يُحسن".

ومن هنا يبرز دور التربية الإسلامية في إعداد المناخ الاجتماعي والاقتصادي الملائم لعملية التنمية من خلال "توفير الجو الإيماني الذي ينمو فيه الأفراد متمسكين بقيم الإسلام في العمل والإنتاج والاستهلاك"، بحيث تنشأ الفتاة منذ الطفولة على أن تكون شخصية إنسانية منتجة، وعضواً اجتماعياً نافعاً، ابتداء من مهارات الخدمة الأسرية، وانتهاء بجميع الحرف المنزلية، فلا تبلغ الفتاة سن المحيض إلا وقد استوعبت صناعات أهلها، وعرفت جلَّ حرف محَلَّتها، فلا يبقى عليها بعد ضرب الحجاب إلا التدريب العملي المكثف على إتقان هذه المهارات، ورفع مستوى كفاءتها الإنتاجية؛ فإن بلوغها درجة الصنعة لا يحصل لها إلا باجتماع العلم والممارسة.

ولا يُشترط للإنتاج في مثل هذه المهارات - خاصة في الدول النامية- التكلفة الباهظة، ولا التقنية العالية؛ بل إنها تقوم عادة على أقل مما يُتخيل من المواد والمعارف، فقد تتعلم الفتاة الراغبة بعض المهارات الحرفية بغير مُعلِّم مباشر، وتُنتج اقتصادياً بأسهل الوسائل، ولا ينبغي أن يُستنكر هذا؛ فإن الفتاة في الأسرة الجادة منتجة منذ الطفولة.