تتمتع الفتاة في نظام الاقتصاد الإسلامي بحق الاحتفاظ المالي فلا تُلزم بالنفقة على أحد من الناس، ولا تشترك مع الرجال في تحمل الدية، ولا تُكلَّف إرضاع ولدها حتى وإن لم تكن شريفة النسب، بل ربما كان من حقِّها أن تأخذ أجراً من زوجها على رضاعة ولدها منه، ولا يستثنى من ذلك في حقها إلا أشياء يسيرة، ضمن ظروف اجتماعية واقتصادية خاصة، كحق الأب -خاصة دون غيره- في الأخذ من مال ولده، ذكراً كان أو أنثى، ونفقة الوالدين المعْسرين إن كانت غنية، وفدية خلْعها إن كان النشوز من جهتها، ونفقة نفسها إن كانت عزباء، أو هاجرة فراش زوجها، ثم قيمة كفنها، وما يلزمها من الزكاة الواجبة، وبعد ذلك ليس لأحد في مالها حقٌ إلا ما طابت به نفسها دون حرج.
ومن هذا المنطلق الشرعي للالتزامات المالية جاءت دية المرأة في حال القتل الخطأ على النصف من دية الرجل، ونصيبها في الإرث في بعض الحالات نصف نصيب الذكر، فالأنثى وإن ساوت الذكر في القتل العمد -النفس بالنفس- فإنها في دية القتل الخطأ لا تساويه من جهة العبء المالي الذي يقوم به ويتحمله، وهي وإن أخذت من الميراث نصف ما يأخذه: فإنها تشاركه نصيبه هذا أيضاً حين يلزمه الشارع الحكيم بالنفقة ولا يُلزمها، ويفسح لها أن تشاركه نصف أجر الصدقة من ماله دون أن يفسح له بمثل ذلك في مالها، فالنساء وإن كن لا يملكن قانونياً غالب الثروات الاقتصادية الموجودة في أيدي الناس، والمتداولة فيما بينهم، إلا أنهن واقعياً أكثر فئتي المجتمع -من الذكور والإناث- استمتاعاً بها، وفي الوقت نفسه أقل الفئتين اكتراثاً بالشؤون المالية ومسؤولية الإنفاق، وهذا يرجع إلى أن واجبات الرجال في الشريعة، والمهام التي يقومون بها أعظم وأكثر في الجملة من واجبات النساء ومهامهنَّ، ومن هنا -حسب قاعدة الغُنْم بالغرم- كانت موارد الرجال الاقتصادية أكبر في الجملة من موارد النساء لتقابل حجم تكاليفهم، وكانت موارد النساء أقل في الجملة لتناسب حقَّهن في الإمساك عن النفقة.
والشريعة الإسلامية في تسامحها مع النساء في مبدأ الإمساك عن النفقة لا تخصُّ ذلك بالمسلمات من النساء، بل إن نساء أهل الكتاب تحت مظلة الحكم الإسلامي لا يُلزمن بدفع الجزية، بل لا تقبل منهن مطلقاً، إنما هي على البالغ من الرجال؛ كل ذلك لتبقى الأنثى من عنصري الإنسان بعيدة عن مواطن العناء والكدِّ والحرج، التي قد تسوقها إلى موارد الهلاك، ومن هنا كانت فكرة التساوي بين الجنسين في توزيع الدخل العام -التي يريدها البعض- ظلماً للرجال، وإفساداً للنساء، وهي في الوقت نفسه تغيير شامل لنمط الحياة الاقتصادية في نظام الإسلام.
ومن هنا يظهر بجلاء حكمة الطريقة الإسلامية في التوزيع المالي بناء على المهام والتكاليف؛ ليقوم كل جنس بدوره الإيجابي في تحقيق العبودية لله تعالى بعمارة الأرض، كلٌ حسب نظام هدايته دون تداخل مخل، أو تضارب مضر.