لا يكتمل حق الفتاة في الملكية الخاصة حتى تتمتع بحقها في التبرع بما شاءت من مالها، فإن الناس -ذكورهم وإناثهم- أحرار في ممارستهم لأنشطتهم الاقتصادية ما داموا محترمين -في ذلك- المبادئ والقيم الإسلامية، فالإنسان العاقل - ذكراً كان أو أنثى- إذا بلغ سن التكليف، وعُرف من حاله الرشد الاقتصادي: مُكِّنَ من ماله يتصرف فيه بما شاء، إلا في حال المرض المخوِّف، أو ثقل الحمل بالنسبة للإناث فإن حق التصرف حينئذ ينحصر في الثلث؛ وذلك لأن الحمل في أشهره الأخيرة نوع من المرض الذي يؤثر على نشاط الحامل العقلي والنفسي، في حين لا يؤثر زمن حيضها أو نفاسها في قراراتها المالية، ولا تؤثر بكارتها في ذلك إذا كانت قد عنَّست عند أبيها وظهر رشدها، إلا أن أكمل حالات أهليتها الاقتصادية بلا نزاع حين يتم نموها العام بدخول الرجل بها، وإنجابها لمرة واحدة على الأقل، فعندها لا تحتاج إلى إذن زوجها في الإنفاق من مالها إلا من باب الاطمئنان لملكيتها للمال من جهة، ولتطييب نفسه وملاطفته من جهة أخرى؛ فإن الصالحة من الزوجات لا تخالف بعلها في مالها بما يكره، لاسيما إذا كان ما تريد أن تتبرع به من مالها كبيراً.
ولا ينبغي أن يُفهم من هذه الضوابط مطلق الحجْر المالي على النساء بسبب الأنوثة، فإن السفه المالي ليس خاصاً بهن، وإنما هو ضعف الدربة، وقلَّة الخبرة التي تكثر في الإناث بسبب الطبيعة والدور الاجتماعي، فما يستطيعه غالب الرجال في إدارة الشؤون الاقتصادية: يعجز عنه أكثر النساء، فإن الخديعة إليهن أسرع، والطيش فيهن أكبر، خاصة عند المخدَّرات المصونات؛ فيحتجن في كثير من الأحيان إلى الإشراف لضبط حقوقهن، وسلامة معاملاتهن؛ ولهذا يُنبه رسول الله r على حقوقهن ويقرنُها بحق اليتيم فيقول: "إني أحرِّج عليكم حق الضعيفين اليتيم والمرأة"، وكان عمر t زمن خلافته يقول للنساء اللاتي غاب عنهن أزواجهن: "ألكنَّ حاجة حتى أشتري لكنَّ؛ فإني أكره أن تُخدعن في البيع والشراء"، فهذه طبيعة عامة في غالب النساء، يحتجن بصورة دائمة إلى شيء من الإشراف على شؤونهن الاقتصادية.
ومع هذا فليس كل النساء والفتيات يحتجن إلى إشراف فقد سجل التاريخ الإسلامي - في القديم والحديث دون نكير- لجمع من النساء الفضليات منذ زمن النبي r فما بعده عطايا وتبرعات مالية في وجوه الخير والبر يفوق بعضها الوصف، حتى إن السيدة عائشة رضي الله عنها -لعظيم ثقتها بالله- كانت لا تعرف في شبابها وكهولتها معنى للادخار، لا في زمن القلَّة ولا في زمن الكثرة، حتى إن ابن أختها عبد الله بن الزبير { عزم على الحجْر عليها؛ لكثرة نفقتها دون حساب، فأعلمته من خلال الهجْر بكمال رشدها، وسلامة فعلها حتى اعتذر إليها.
وقد حثَّ رسول الله r النساء والفتيات على مطلق الصدقة وجعلها سبيلهن للنجاة، وخصَّ حُليهن بمزيد من الاهتمام وجعلها من أوسع أبواب الصدقة، واحترم في الوقت نفسه القليل من عطائهن مهما كان حقيراً؛ حتى يبقى مبدأ البذل قيمة ثابتة في نفوسهن، لا يتأثر ثباته بالقلة ولا بالكثرة؛ ولهذا كان النساء في زمنه r من أكثر فئات المجتمع بذلاً وعطاءً.