6ـ حق الفتاة الاقتصادي على الزوج

يبدأ حق الفتاة الاقتصادي على الزوج بالمهر، ثم النفقة، وينتهي بالإرث، أو متعة الطلاق، ولئن كان الإسلام -بنظامه المحكم- قد أعطى الرجل النصيب الأوفر من الحقوق، فقد حمَّله مقابل ذلك العبء الأكبر من الواجبات، بحيث لا يُعذر في شيء من ذلك حتى وإن كان مُعسراً، فالمهر لا يصح في الشريعة أن تدفعه الفتاة، أو تُسقطه عن الزوج -لأي هدف كان- قبل أن يدخل بها؛ لما في ذلك من المهانة والاستغلال الاقتصادي الذي يلحقها، وهو ما تعانيه الفتيات في بعض المجتمعات الضالة، في حين يُعدُّ المهر في التصور الإسلامي من أوسع أبواب النساء الاقتصادية؛ إذ لا حدَّ لأكثره بإجماع المسلمين، وقيام الرجل به ليس صورة من صور الملكية كما هو الحال عند بعض المجتمعات القديمة؛ بل هو نِحْلة يقدمها المؤمن للزوجة تديُّناً، وطاعة لله تعالى، فهو حق خالص لها بالإجماع، ومنفعة راجعة إليها وحدها دون غيرها، يثبت لها بمجرد العقد، ولا يسقط بموت أو طلاق، ولا يشاركها فيه وليٌ ولا زوج، إلا ما طابت به نفسُها؛ بل إن الشريعة تعاقبهما، وتُلْحق بهما الإثم عند تفريطهما أو استغلالهما لحقوق الفتاة في كامل المهر؛ بل إن الزوجة لو استجابت لزوجها فوهبته مهرها فطلقها، فإن لها الرجوع فيه؛ لأنها إنما فعلت ذلك لاستدامة النكاح وليس لنقضه.

ولئن كانت "القدرة على اكتساب المال بالبضع ليست بغنى معتبر"، إلا أنها من أعظم موارد المرأة المالية، "ونعمة منَّ الله بها عليها خوَّلها حق الانتفاع بها من أجل رغبات الرجال في استصفائها، فللمرأة حق أن يكون صداقها مناسباً لنفاستها؛ لأن جمال المرأة وخُلُقها من وسائل رزقها"، وانتفاعها "بالصداق وبمواهبها التي تسوق إليها المال شيء غير مُلْغَى في نظر الشريعة؛ لأنه لو ألغي لكان إلغاؤه إضراراً بالمرأة"، ومن هنا يُعدُّ المهر نعمة من نعم الله تعالى على المرأة.

وأما النفقة فمع كونها أجراً وثواباً للرجل حين ينفق على زوجته: فإنها من أعظم حقوق الفتاة على زوجها بالإجماع، وهي باعتبارها زوجة: أول  أصحاب الحقوق عليه، ونفقتها "أقوى من نفقة الأولاد والأقارب؛ لأنها وجبت بالعقد جزاء الاحتباس"، بحيث لا يسقط حقها عليه في النفقة بإعساره أو انشغاله، حتى وإن كانت مريضة أو غنية ما دامت في عصمته، محبوسة له، ففي الوقت الذي يصح فيه من الأب أن يقطع نفقته عن ابنته إن هي استغنت بمالها؛ لا يصح ذلك من الزوج بحال، حتى وإن اشترطه عليها عند العقد، بل إنها لو رضيت به مُعسراً بنفقتها، ثم بدا لها الفسخ: فلها ذلك، وقد صدر عن المؤتمر الإسلامي التاسع عشر لوزراء الخارجية المنعقد في القاهرة عام 1411هـ، حول حقوق الإنسان: أن "على الرجل عبء الإنفاق على الأسرة، ومسؤولية رعايتها"، وقد نصَّ الفقهاء على وجوب قيام الرجال برعاية نسائهم، وذلك لحديث:(…. الرجل راعٍ على أهل بيته وهو مسئول عنهم...), حتى ذكروا نقل الماء إليهنَّ في البيوت، فلا يُلزمن بالخروج؛ لكونهن مأمورات بالقرار في بيوتهن، وإنما ينقله الرجال إليهن، ويعدون الأوعية اللازمة لذلك.

ولما كان الرجل بهذه المكانة الكبرى من المرأة كان فقده بالنسبة لها من أعظم فواجعها الاقتصادية، فلئن كان الرجل يشعر بالنقص لفقدها وخلوِّ مكانها؛ فإنها -مقابل ذلك- تشعر بالضياع والهلاك لفقده وغياب دوره؛ ولهذا تبرز المشكلة الاقتصادية ومعاناتها المؤلمة كأقوى ما تكون عند المرأة العزبة عندما يتخلى عنها الزوج بطلاق أو وفاة، حتى أصبح من المسلَّمات العالمية: اقتران العَوَز بالنساء العزبات- عاملات كنَّ أو ربات بيوت- حتى قيل بتأنيث الفقر، وارتبطت -في الوقت نفسه- عزوبة الفتاة بمعاناة العمل خارج البيت، فما إن تتزوج إحداهن إلا ويصبح العمل آخر اهتماماتها؛ ولهذا تُلْزم الفتاة بالزواج إذا عجزت عن القيام بنفسها، أو خيف عليها الفساد، حتى يتولى الزوج بدوره حفظها وصيانتها بحكم العلاقة الزوجية القائمة بينهما، ومن لطائف ما ينقل في تعبير الأحلام، مما يشير إلى أهمية الزوج في حياة المرأة: أنها إذا رأت في منامها أنها تزوجت برجل ميت: "تشتت شملها وافتقرت".