إن للإسلام نظامه الاقتصادي الخاص، الذي يحكم جميع الممارسات التنموية -الفردية والجماعية - ويحدد للفرد- ذكراً كان أو أنثى- موقعه من الهيكل الاقتصادي، ودوره الإيجابي الأمثل في دعم المسيرة التنموية ضمن ثوابت الشريعة العامة، وأحكامها التفصيلية، في نموذج فريد متكامل الجوانب، ومترابط الأطراف، يعضد بعضه بعضاً، ويسند بعضه بعضاً، في بناء رباني كامل لا يدخله الخلل أو النقص أو التناقض، الذي أصبح سمة واضحة لأنظمة الاقتصاد الوضعية التي تقوم أصولها على قصور الطبيعة البشرية، بعيداً عن وحي الله تعالى المبارك، ومنهجه الفريد المحكم.
ولما كانت التنمية الاقتصادية - بل والتنمية بصورة عامة- مفتقرة بصورة دائمة إلى إطار اجتماعي تنمو من خلاله: برز دور المرأة كعضو اجتماعي فاعل، فاتخذ الاهتمام بها صفة دولية، فمنذ أن عُقد أول مؤتمر نسائي دولي في جنيف عام 1920م، والمؤتمرات العالمية والإقليمية الخاصة بهن تتابع بصورة متلاحقة، فضلاً عن الاهتمامات الكبرى التي تُوليها مراكز البحث الغربية لقضايا المرأة بصورة عامة، وقضايا المرأة المسلمة بصورة خاصة، لاسيما بعد التغيرات الجذرية الناتجة عن الصراعات الثورية، والنهضات الصناعية التي خاضها العالم الغربي، وبعد أن ثبت عندهم من خلال الدراسات الواقعية: "أن المرأة هي المستهلك الأول لما تنتجه المجتمعات المتقدمة"، فزاد بالتالي الاهتمام بها واستغلالها كعضو منتج من جهة، ومستهلك من جهة أخرى.
ولم تكن المرأة المسلمة بمعزل عن هذه التفاعلات الاقتصادية العالمية، فقد نالها قدر من هذه التغيرات والصراعات الاجتماعية، التي أثرت بصورة كبيرة في مفاهيمها الاقتصادية، وسلوكها الاستهلاكي، ومسؤوليتها الاجتماعية، فكان من الضروري إعادة النظر من جديد في أسس تربيتها الاقتصادية بهدف إبراز حقوقها المالية في المجتمع المسلم، ودورها الحقيقي في الاقتصاد الأسري، ووضع ذلك كله ضمن إطار تربوي إسلامي يتناسب وطبيعة الحياة المعاصرة من جهة، ويُبقي من جهة أخرى على الثوابت الاقتصادية صفة الديمومة اللازمة لها ضمن قيم الإسلام وكلياته العامة.
ويمكن -بناء على ذلك- وضع تعريف للمقصود من التربية الاقتصادية للفتاة المسلمة على النحو التالي: إعداد الفتاة للعمل الصالح بمفهومه الواسع: المادي منه والمعنوي؛ لتكون عضواً اجتماعياً مُنتجاً ومُدبِّراً، ضمن أحكام الإسلام العامة، ومفاهيمه الاقتصادية الخاصة.