يشكو المربون من الآباء والأمهات والمعلمين والمعلمات من الهيجان العاطفي عند الشباب من الجنسين، ولا سيما عند الذكور، فما أن يدخل أحدهم سن البلوغ حتى يتحول إلى شخص آخر، قد امتلأ بالعنف والإثارة والغليان، وكثيراً ما يصاحب هذه المشاعر المتحركة مواقف من التمرد الأسري، والخروج عن الأنظمة المدرسية، ومخالفة الكبار من المربين.
إن حجماً ضخماً من الميول العاطفية تنبعث مع سن البلوغ عند الجنسين، تحمل معها شحنات قوية من الانفعالات، ممزوجة بقدر كبير من الإثارة الشهوانية التي لا تجد لها متنفَّساً طبيعياً مشروعاً تتصرّف فيه، وقد كان من المفروض أن تجد هذه الشحنات العاطفية موقعها الطبيعي في الجنس الآخر عن طريق الزواج المشروع، فيستهلك البالغ والبالغة شحناتهما العاطفية فيما بينهما دون كبتٍ أو حرمان، إلا أن الظروف الاقتصادية والاجتماعية، وطبيعة النظام التعليمي حالت دون تحقيق حاجات البالغين من الشباب والشابات، ليعيشوا فترات من الحرمان العاطفي تطول إلى أكثر من عشر سنوات، مما ينعكس على نفوسهم بمشاعر القسوة والألم واليأس، فيعبرون عن مشاعرهم المحبطة بصور من الانفعالات الحادة والتمرد، وربما الإهمال وعدم المبالاة.
إن الشاب يمرُّ بنوعين من البلوغ: الأول: البلوغ الجنسي الذي يدخل به عالم التكليف، ويصبح به قادراً على التناسل، وهذا عادة ما يكون في الخامسة عشرة عند الجنسين. وأما البلوغ الثاني: فهو البلوغ الاقتصادي الذي يدخل به الشّاب عالم الكبار، ويصبح قادراً على القيام بنفسه، والإنفاق على أسرته الخاصة، وهذا النوع من البلوغ خاص بالذكور لأنهم المكلفون شرعاً بالإنفاق.
والأصل الطبيعي في المجتمعات السابقة والريفية المعاصرة أن الشاب ما أن يبلغ الحلم إلا وقد تيسَّر له الزواج، فالشاب في المجتمعات البدائية والريفية مُنتج، قادر على الكسب من طفولته، قد حصل على جميع المهارات المتاحة له في بيئته، والتي تؤهله للكسب، والقيام بنفسه، والإنفاق على أسرته، فيخرج الشاب الريفي من عالم الطفولة إلى عالم الكبار دون المعاناة التي يحكيها الباحثون النفسيون عن المراهقة وأزماتها، مما يعانيه أبناء المدن الحضارية ويقاسونه من متطلبات الانتقال من عالم الطفولة إلى عالم الكبار، حيث يحتاجون إلى عشر سنوات على الأقل بعد البلوغ الجنسي ليتأهلوا لعالم الكبار.
وهنا تكمن الأزمة في البعد الزمني الفاصل بين نوعي البلوغ، مما أفرز مرحلة جديدة في عمر الشباب، ما بين الخامسة عشرة إلى الخامسة والعشرين تقريباً، لا يعرف الشاب فيها هويته، فلا هو طفل صغير، ولا هو شخص كبير، يحمل في نفسه أشواق وآمال الكبار، إلا أنه لا يزال محتاجاً إلى رعاية أسرته في كل شؤونه الخاصة والعامة، لا يستطيع الاعتماد على نفسه، فلم يعنِ له البلوغ الجنسي شيئاً سوى أنه مكلف شرعاً، أما واقعه فهو لا يعدو أن يكون طفلاً كبيراً.
إن هذه الأزمة المعاصرة التي أفرزتها طبيعة الحياة الحضارية لا بد من وقفة جادة معها، يشترك فيها المجتمع بكل مؤسساته ليعمل بجد على قصر المسافة الزمنية بين البلوغين الجنسي والاقتصادي، والسعي في تأهيل الشباب للقيام بأنفسهم، فهم قد تأهلوا شرعاً بالتكاليف الدينية الكبرى، فلن يضيرهم أن يقوموا بالتكاليف الاقتصادية والاجتماعية حين يتعاون المجتمع ويراعي حاجاتهم، ويقيم مؤسساته لا سيما التعليمية لتوافق حاجات الشباب، وما لم يسع المجتمع لحل هذه الأزمة بصورة جذرية فإن مزيداً من المعاناة والاضطراب سيكون نصيبه، وقد لاحظ الباحثون أن غالب أزمات الشباب وانحرافاتهم تحصل في الفترة من الخامسة عشرة إلى الخامسة والعشرين، وهي الفترة التي تفصل بين نوعي البلوغ الجنسي والاقتصادي.