إن التصور الإسلامي لأهمية مكانة الرجل في النظام الاجتماعي يستلزم إعداد الشباب اقتصادياً للقيام بدور القوامة الأسرية، ومهام الرعاية الأبوية، والمشاركة في التنمية العامة، بحيث تقترن عندهم مرحلة البلوغ الجنسي بمرحلة البلوغ الاقتصادي، فما أن يبلغ أحدهم مبلغ الرجال حتى يصبح قادراً - بصورة صحيحة - على الكسب والإنتاج؛ "فإن أزمة الشباب تزداد كلما طال البعد الزمني الذي يفصل بين البلوغ والاستقلال الاقتصادي، فكلما استطاع الشاب أن يحقق لنفسه الاستقلال الاقتصادي وتكوين الأسرة كلما قلَّت فترة تعرضه للأزمات النفسية ". ولكن الواقع الاقتصادي للمجتمعات الحضرية يسير في غير هذا الاتجاه؛ حيث يفرض على الشباب العزوبة إلى ما بعد البلوغ بعشر سنوات أو أكثر فيعيشون حياة البطالة الاقتصادية، التي تسلبهم حقوق الراشدين، وتُضْفي على دورهم الاجتماعي طابع الغموض، فهم ليسوا أطفالاً لكونهم بالغين جنسياً، وليسوا راشدين لكونهم قاصرين اقتصادياً، فهم - بصورة مستمرة وطويلة- بحاجة إلى إشراف الأسرة ورعايتها، كحالهم زمن الطفولة، مما يثير في نفوسهم صراعات حادة بين حاجاتهم الملحَّة، وواقعهم الاجتماعي، فتتكون بالتالي من خلال هذه العوامل المُحْبطة: الشخصية الاجتماعية الرافضة، التي تُعبِّر عن ذاتها المهزومة في صور مختلفة من السلوك الانتقامي الناقد للمؤسسات الاجتماعية، ومنظوماتها الخلقية، حتى أصبح الإجرام بمظاهره المختلفة مهنة كثير من الشباب في المجتمعات المتحضِّرة؛ بحيث تزيد حدةَّ انحرافهم بصورة مطردة مع زيادة اعتمادهم الاقتصادي على المجتمع، ولاسيما إذا اجتمع إلى هذه الظروف الاقتصادية القاهرة ضعف الإيمان واختلال الأخلاق الناتج عن ضعف التربية : فإن الانحرافات السلوكية تصبح في غاية الحدَّة، وبصورة خاصة بعد أن أثبتت الإحصائيات الواقعية أن البطالة تنتشر بين الفتيان من الشباب وخريجي الجامعات بصورة كبيرة تقلق المجتمع الدولي؛ إذ إن البطالة من العوامل الرئيسة في ارتكاب الجرائم، ثم إن الشاب حين يبلغ الحلم يصبح مخاطباً بالكتاب والسنة، ومكلفاً شرعاً، فكيف يكون مكلفاً ومخاطباً بالوحي، والقضايا العقائدية الكبرى، والمسؤولية العظمى أمام الله تعالى في الوقت الذي يعزله المجتمع عن واقع الحياة العملية، ولا يؤهله للكسب والإنتاج، وتكوين الأسرة، ويتعامل معه على أنه قاصر لا يمكن الاعتماد, عليه وهو - في الحقيقة - يعيش أفضل فترات عطائه، وأقوى مراحل قوته، ومع ذلك يُلاحظ أن الشباب ما بين 15- 25 يشكلون فقط 17.5% إلى 33.9% من القوى العاملة في الوطن العربي، رغم أنهم الفئة الأكبر في المجتمع، فهذا الوضع الاجتماعي المُجحف يفعل فعله في تكوين الشخصية المضطهدة، المتطلعة للفكاك والخلاص لو بعطبها وهلاكها؛ فإن الشاب في المجتمع المعاصر "طريد مجتمع الكبار والصغار، إذا تصرف كطفل سخر منه الكبار، وإذا تصرف كرجل انتقده الرجال أيضاً، وعلاج هذه الحالة يكون بقبول الشاب في مجتمعات الكبار، وإتاحة الفرصة أمامه للاشتراك في نشاطهم، وتحمُّل المسؤوليات التي تتناسب مع قدراته وخبراته". وقد أوصى بهذا المضمون الأعضاء المشاركون في المؤتمر الإسلامي لوزراء الخارجية عام 1418ه، حيث أكَّدوا أهمية دعم اقتصاديات الشباب بما يكفل استقرارهم الاجتماعي والنفسي، ويضمن مشاركتهم الإيجابية في تنمية المجتمع المسلم.
إن حلَّ هذه المعضلة الاجتماعية يتلخص في جانبين مهمين :
الأول: انتظام شؤون الشباب الجنسية من خلال الزواج المبكر، وربطهم بالأسرة والإنجاب، فإن البلوغ الجنسي غالباً لا يتجاوز الخامسة عشرة عند عنصر البشر، وهي سن غير قابلة للتعديل بتقديمها أو تأخيرها، فالحكمة الربانية ربطت بين هذه السن والقدرة على التناسل والتكاثر، فمن العبث الفكري، والمعاندة للفطرة تغافل المجتمع عن حاجة الشباب إلى تكوين الأسرة المستقلة، وتحقيق السكن العائلي، فإن تأخير سن الزواج هو التحدي الأكبر الذي يواجه الشباب المعاصر، فطاقته الجنسية بعد البلوغ تصل منتهاها، وأعلى درجاتها وشدَّتها، وقوتها بالتدريج في تناقص كلما طعن في السن، ووجود هذه الطاقة من شأنه دفع الفرد إلى السعي في إفراغها، والحصول على المتعة؛ إذ هي لم تُجد لتُكْبت، ولتعذِّب أصحابها، وإنما وجدت لتكون الحافز للتناسل والتكاثر، فإذا حصلت الإثارة الجنسية للشاب دون أن يُسكَّن بالإنزال- بأي وسيلة من الوسائل- فإن التوتر والكدر والعنت يمتلكه، وربما ذهب بعقله، فلا يدري ما يصنع؛ ولهذا تكثر الممارسات الجنسية المحرمة في أوساط الشباب بصورة واسعة، حتى استغنى كثير منهم عن مبدأ الزواج حين اكتفى بالممارسات المحرمة، ويقع منهم أيضاً الاغتصاب؛ فإن (60%) من المغتصبين هم دون سن الخامسة والعشرين، والواقع العالمي يشهد بأن الممارسات الجنسية خارج نطاق الزواج الشرعي تبدأ - في كثير من الأحيان - مع البلوغ، منذ الثانية عشرة عند الجنسين، ويحصل من ذلك حالات كثيرة من الإنجاب والإجهاض، فإذا كان الاتصال الجنسي في سن مبكرة أمر حاصل، وواقع قائم بالطرق غير المشروعة، مع العجز شبه التام عن إيقافه، فلماذا لا يتم بالطريق المشروع، وتحت إشراف المجتمع؟ بحيث يتعاون الجميع على تأهيل الشباب للزواج، بكل وسيلة مشروعة ممكنة، فقد أجاز العلماء الأخذ من الزكاة المفروضة بغرض النكاح، فلابد من التعاون في ذلك، وقد جاء في الأثر عن الملهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: " زوِّجوا أولادكم إذا بلغوا ولا تحملوا آثامهم ".
الثاني: انخراط الشباب في عمل اقتصادي منتج يحققون من خلاله تطلعاتهم نحو الاستقلال المالي عن الأسرة الأم؛ فإن هناك علاقة بين شعور الشاب بأنه شخص مُنتج وبين شعوره بأهميته في المجتمع، مما ينعكس بصورة إيجابية على اتزانه النفسي، وتوافقه الاجتماعي، وفي الجانب الآخر فإن العلاقة قوية بين البطالة والانحرافات السلوكية المختلفة عند الشباب.