إن أسباب مشكلة الفقر في العالم الإسلامي كثيرة ومتعددة، وأولها وعلى رأسها: بعد المسلمين أنفسهم من منهج الإسلام في الميدان الاقتصادي والسياسي والثقافي وغيرها من الميادين، إذ إن الإسلام بمنهجه القويم يأمر بالعمل والكسب ويشجع عليه، وينهى عن الكسل والقعود، فلو كان المسلمون متبعين لهذا المنهج لظهر فيهم النشاط ونبذ الكسل وطلب الرزق بطرقه المشروعة، فلا يقعون في مشكلة الفقر التي هدَّت كيانهم النفسي والجسمي.
ويمكن أن نستعرض بعض الجوانب التي كان لها أثرها الكبير في انتشار الفقر والحرمان بين المسلمين وهي على النحو التالي:
1- الامتناع عن إخراج الزكاة المفروضة:
الزكاة فريضة إسلامية وركن من أركان الإسلام شرعها الله طهرة للأغنياء، وحقاً للفقراء، ينتفعون بها ويكفون بها عن السؤال، ولكن لمَّا ضيَّع المسلمون هذا الركن وبخل الأغنياء بإخراج الزكاة المفروضة، والصدقة المستحبة ظهرت المجاعات والطبقات والأحقاد بين الشعوب الإسلامية وعمَّ الجهل والمرض.
والزكاة ضمان اجتماعي للفقراء، ومورد كبير ليس بضئيل، فهي العشر أو نصف العشر من الحاصلات الزراعية، وربع عشر النقود والثروة التجارية. وأول من تُصرف عليهم الزكاة هم الفقراء والمساكين، أمثال المتضررين في المناطق الإسلامية المختلفة فلا يُعطون ما يسد الرمق فقط بل يُعطون ما يغنيهم ويكفيهم، فإن في الزكاة كفاية وغنىً. وإن افترضنا جدلاً أنها لم تكف حاجة الفقراء والمحتاجين فإن في أموال الأغنياء حقاً غير الزكاة.
ولا ينبغي أن يُفهم من نظام الزكاة أنها تدعو الفقراء إلى القعود عن طلب المعاش والمكاسب بل إنها لا تُعطى للقادر على العمل الواجد له وإنما تُعطى للفقير الذي لا يستطيع الكسب.
2- كنز الأموال:
حرم الإسلام كنز المال فحذر الله الذين يكنزون الذهب والفضة فقال تعالى : {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الَّذَهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} فذهب بعضهم إلى أن المال وإن أُخرجت زكاته ولم يستثمر فهو كنز، وبعضهم ذهب إلى أن المال إن أخرجت زكاته لم يسم كنزاً. واليوم في هذه الظروف التي يمر بها المسلمون تزيد حرمة الكنز إذ إن بعض المسلمين يموت جوعاً في كثير من البلاد الإسلامية، ولا يجدون تمويلاً لمشروعاتهم التنموية. فإذا كان الإسلام لا يجيز للرجل أن يعطل أرضاً أكثر من ثلاث سنوات، فمن باب أولى ألاَّ يجيز له تعطيل الأموال النقدية. ولو افترضنا أن جميع أفراد المجتمع آثروا أن يكنزوا أموالهم وتقاعسوا عن العمل فسوف تكون النتيجة عدم وجود إنتاج يُباع ويُشترى ويُستهلك، إلى جانب نقص الإنفاق الذي يؤدي إلى عدم القدرة على تصريف المنتجات الاقتصادية فيهلك الناس والاقتصاد. لهذه الأسباب ولغيرها حرم الإسلام كنز المال الذي يعطل الحركة الإنتاجية.
3- التعامل بالربا:
إن الله سبحانه وتعالى لا يحرم على الناس ما يعود عليهم بالنفع والخير، وإنما يُحرم عليهم الخبائث وما يعود عليهم بالمضرة، فهو اللطيف بعباده، الخبير بأحوالهم وما يصلح لهم. لهذا حرم سبحانه وتعالى الربا بجميع أنواعه، ولعن رسول الله e كل من له صلة بالربا، وذلك لما له من الآثار السيئة على المجتمع من الناحية النفسية وعلاقة الأفراد، ومن الناحية الاقتصادية والإنتاجية.
ويظهر فساد هذا النظام من الناحية الاقتصادية والإنتاجية في قعود المرابين عن العمل والكسب و تقديم الجهد للحصول على الإنتاج والثمرة، والاكتفاء بفرض فوائد ربوية على المقترضين ثم انتظارهم بعد ذلك حتى الأجل المتفق عليه فيقبضون المال والزيادة التي يعتبرونها في تصورهم الفاسد إنتاجاً. وهم يستحلون قضية فرض الفوائد بحجة الانتظار على المقترض. وهذه النظرية الآثمة تصيب الإنتاج بالعقم، وتهدم الاقتصاد من أساسه، وتتضح خطورتها إذا تصورنا تطبيقه على نطاق أوسع بحيث يزيد المنتظرون على الكادحين.
كما أن تحريم الربا يدعو إلى نشاط كل شخص وتحركه حسب قدرته في سبيل حصوله على الطيبات - إنتاجاً واستهلاكاً - ففي نفس الوقت يعيش الفرد في حالة من الاستهلاك ومجال من الإنتاج " فإذا شاء صاحب المال أن يربح، فإما أن يشتغل فيه بنفسه فيربح أو يخسر. وإما أن يشارك بماله صاحب الجهد ثم يتقاسما الربح والخسارة. وهذا هو العدل المطلق ". ويبرر الإمام الرازي رحمه الله قضية تحريم الربا بقوله: " يمنع الناس من الاشتغال بالمكاسب، ولأن صاحب الدرهم إذا تمكن بواسطة عقد الربا من تحصيل الدرهم الزائد نقداً كان أو نسيئة، خف عليه اكتساب وجه المعيشة فلا يكاد يحتمل مشقة الكسب والتجارة والصناعات الشاقة، وذلك يفضي إلى انقطاع منافع الخلق، ومن المعلوم أن مصالح العالم لا تنتظم إلا بالتجارات والحرف والصناعات والعمارات "، فقيام النظام الاقتصادي على تحريم الربا يجند طاقات الأفراد للعمل والإنتاج، والكسب الحلال، مع محاربة الخمول والقعود عن المكاسب.
4- تسلط الأعداء:
لا شك أن أعداء الإسلام لا يرجون للمسلمين خيراً، وإن تظاهروا مكراً وخداعاً بما يسمونه بالمساعدات للدول النامية، فهذه المساعدات هي في حقيقة الأمر عوائق لنهوض دول المنطقة بنشاط اقتصادي يخرجها من أزمتها العصيبة، ففي عام 1976م أجرى مكتب العمل الدولي إحصائية عن عدد الفقراء خلال عشرين عاماً تبين منها أنه خلال العشر سنوات من 1963م - 1973م زاد عدد الفقراء حوالي 119 مليوناً، وفي سنة 1970م كان مجموع ديون العالم الثالث 74 بليون دولار، وفي سنة 1979م بلغ مجموع ديونه 366 بليون دولار … وما زالت الديون والفوائد الربوية تتراكم وتهدد اقتصاد بعض الدول بالإفلاس، ولعل في الإحصاءات الحديثة ما يؤكد ذلك.
كما يظهر كيد الأعداء في إتلاف كثير من المحاصيل الزائدة حفاظاً على أسعارها في الأسواق، وتقديم بعض التعويضات المالية للمزارعين لعدم زراعة أراضيهم في بعض المواسم حفاظاً على أسعار تلك المنتجات الزراعية. وتقوم السوق الأوربية المشتركة بتخزين كميات كبيرة من المواد الغذائية احتكاراً لها وحفاظاً على أسعارها في الأسواق. فأين حقيقة المساعدات المالية وجدواها ؟ مع هذه الأعمال الممقوتة، والتي يترفع عنها أحط الشعوب ثقافة وأخلاقاً، فضلاً عن الشعوب والحكومات التي تزعم التقدم والرقي، وتحاول أن تجمع الناس تحت نظام عالمي جديد.
5-التبذير المالي:
تعيش بعض فئات من الشعوب الإسلامية في حالة من التبذير وتبديد الثروة فأشغلت حياتها بالكماليات وأسرفت في ذلك رغم وجود طبقات وفئات من الناس لا يجدون لقمة الخبز إلا ممزوجة بالدم، علماً بأن الإسلام جعل الذين لا يضعون أموالهم في مكانها مبذرين، والمبذرون هم إخوان الشياطين.
ولو أن هذه الشعوب اقتصدت في مصروفاتها، ووجهت الفائض من أموالها لمساعدة الشعوب الإسلامية المنكوبة لكان أجدى وأحصن لهذه الشعوب من كيد المنصرين المبشرين، الذين يستغلون عوزهم وحاجتهم فيفرضون عليهم ضلالاتهم بالترغيب والترهيب.
6-الاحتكار الاقتصادي:
وقد حرم الإسلام أيضاً الاحتكار لما له من أضرار اقتصادية حيث يوقع الناس في حرج لارتفاع سعر السلعة المحتكرة، والاحتكار يدعو ويعمل على رفع الأسعار فيضر عامة أفراد المجتمع ويستهلك جميع مُدَّخراتهم.
وقد نهى الإسلام عن احتكار الأراضي أيضاً أو ما يسمى " بالحمى " فمن حصل على أرض ولم يستغلها ويستثمرها أخذت منه وأعطيت لغيره ليستغلها ويستثمرها. فقد أعطى الله الدولة المسلمة الحق في تنويع الاستثمارات وتوجيهها وتوزيع الأراضي على المسلمين ليعملوا فيها وينتجوا فتزيد بالتالي مدخراتهم وينتعش الاقتصاد ويزدهر.
7- تخلف التعليم:
إن واقع الإنتاج العلمي في الدول النامية العربية لا يعتبر إنتاجاً حقيقياً، وذلك لأنه لا يوجد ربط بين متطلبات التنمية، وبين التعليم، كما أن وحدات البحث العلمي قليلة وقاصرة، ولا تفي بحاجات التنمية، كما أن الإنفاق على التعليم قليل حيث لا يُنفق من الإنتاج القومي على التعليم سوى 0.1% ومقابل هذا ينفق في الدول المتقدمة على التعليم 3% من الإنتاج القومي، وبعضها ينفق أكثر من ذلك، كما أن الطاقات المتعلمة والمتميزة تتسرب إلى الدول الغربية الصناعية لما تجده هناك من التقدير والفرص السانحة للإنتاج، وهذا كله بلا شك عوائق في سبيل التنمية الشاملة للمنطقة.
8- سباق التسلُّح:
تنفق الدول الكبرى وغيرها أموالاً طائلة في مجال التسلُّح والتجهيزات الحربية. وترصد للبحوث التقنية الخاصة بتطوير الأسلحة مبالغ كبيرة جداً في سبيل إنتاج أسلحة الدمار الشامل من أمثال القنابل الذرية الفتاكة التي تبلغ قوة انفجارها ما يعادل 2000 طن من المادة المتفجرة " ت. ن. ت " وأقوى منها القنبلة الهيدروجينية التي يبلغ انفجارها ألف مرة قوة القنبلة الذرية وأعجب منها القنبلة المسماة بالكلفرنيوم التي تفتك بالأرواح والأحياء ولا تصيب المنشآت، إضافة إلى القنابل الذكية، وغيرها مما ينتجه الغرب في سباقه للتسلح، إلى جانب ما أنفق وما ينفق في مجال بحوث الفضاء التي لم تعد على البشرية بنفع يُذكر حتى الآن سوى ما جنته في مجال الاتصالات وبعض البحوث الطبية اليسيرة، رغم الإنفاق السخي المنقطع النظير، ولو أن هذه الأموال أُنفقت في بحوث طبية هامة، أو في تطوير لمجال من المجالات البشرية الهامة كالزراعة أو التصنيع أو مجالات التنمية الريفية، أو غيرها من المجالات الحيوية التي تمس حاجات الناس المباشرة لكانت الفائدة أكبر بلا شك.