يصعب تعريف الجمال لأنه لا يقوم بذاته؛ بل يقوم بغيره في عالمي المحسوسات والمعنويات، إلا أنه يمكن إدراكه والاستمتاع به، وأما التذوُّق الجمالي فهو: الاستجابة النفسية الوجدانية لمؤثرات الجمال الممتعة، وأما موقعه من نفس الإنسان فإنه وسط بين ما هو عقلي، وبين ماهو مادي، حيث تتوسط الخبرة الجمالية بين الخبرتين العقلية والفيزيقية.
وأما التربية الجمالية فهي حصيلة اللقاء بين التربية و الجمال في مفهوم الإسلام، ويُقصد بها: " الجانب التربوي الذي يرقق وجدان الفرد وشعوره، ويجعله مرهف الحس مدركاً للذوق والجمال، فيبعث ذلك في نفسه السرور والارتياح، ويرتقي وجدانه، وتتهذب انفعالاته ".
والإحساس بالجمال - في حد ذاته - خاصية إنسانية فريدة، لا نصيب للحيوان فيها، وهي من عجائب النفس البشرية التي لا تستطيع تفسيرها أو فهمها، إنما تشعر بها وتحسها، وتقع تحت سلطان تأثيرها، ونفوذها الواسع، فمع كون التذوق الجمالي يخفف من إيقاع المادية على النفس الإنسانية، ويفتح لها مجالاً خصباً للتعبير عن شعورها وإحساسها وانفعالاتها: فإنه مع ذلك حاجة فطرية ضرورية للإنسان على وجه العموم، يميل إليها الشرفاء من الأولياء وكبار العلماء، وحاجة أيضاً للشباب على وجه الخصوص، وللفتيات بصورة أخص؛ إذ هن أكثر تفوقاً في القيم الجمالية من الذكور، وأقل إصابة بمرض عمى الألوان منهم، والإنسان يستشعر الجمال بلذة ورضاً حتى وإن لم يكن مالكاً له؛ لأن القلوب مطبوعة على حب الصور الحسنة المتقنة، وما زال الإنسان يبذل غالب جهده العملي، وقدراته المتفوقة في التحسين والإبداع الجمالي.
ومع كل هذه الروابط العميقة بين الإنسان والجمال: فإن الجمال في التصور الإسلامي أصل عقدي مرتبط بالذات الإلهية العظيمة المتَّصفة بمطلق الجمال: " إن الله جميل … "، فهو "حركة معرفية يرقى بها الإنسان إلى الكشف عن أسرار الخلق، والاستزادة من العلوم والمعارف: لينتهي إلى معرفة الخالق "، سبحانه وتعالى، وإجلاله ومحبته؛ فإن محبة الخالق جل وعلا " الناشئة عن معرفة الجمال أفضل من المحبة الناشئة عن معرفة الإنعام والإفضال؛ لأن محبة الجمال نشأت عن جمال الإله، ومحبة الإنعام والإفضال نشأت عما صدر منه من إنعام وإفضال"، ولا شك أن المحبة المنبعثة من جمال الخالق أفضل وأعظم.
والجمال مرتبط أيضاً بالصَّنعة الربانية من جهة أخرى، فيما بثه الله في هذا الكون من المخلوقات، ومرتبط أيضاً من جهة ثالثة بالمنهج التشريعي المنزل من عند الله تعالى، ففي القرآن الكريم دعوة ملحَّة للإنسان لتأمل ما فيه من القيم الجمالية، فالنص " القرآني نفسه هو أحد موضوعات الجمال، يدعو الإنسان إلى التفكر واستكناه ما فيه من قيم جماليه تعبيرية وتصويرية "، فالجمال عنصر كوني أصيل؛ بل لا يبعد أن يكون هو الحقيقة الكونية كلها، التي شملت المخلوقات والأخلاق والأفعال.
إن الجمال في التصور الإسلامي يشمل كل موجود ظاهراً كان أو باطناً، كبيراً كان أو صغيراً، عظيماً أو حقيراً؛ فأقدس ما يقدِّسه المؤمن، وأعظم ما يرجوه هو الرب U، الذي اتصف بالجمال المطلق في ذاته وأفعاله، فما من صفة من صفاته إلا ولها أثرها الجميل المتغلغل في أعماق الوجود بأنواعه: الحي والميت، المتحرك والثابت، العاقل والأعجمي، الظاهر والخفي، وهكذا في كل ما خلق الله، ليس هناك من موجود في هذا الكون إلا ويحمل معنى من معاني الجمال: قد يكون ظاهراً في الأشكال والألوان والنقوش، وقد يكون باطناً في المعاني والرموز، فأينما وقع البصر، وسمعت الأذن من ملكوت الله تعالى فثمَّ الجمال، فهذه الصواعق رغم ما تُحدثه من خوف ورهبة تحمل معها معاني البهجة والجمال في رسومها وشعاعها، وفيما يرتبط بها من نزول الغيث، وانسياب المياه، وتشقق الأرض بالنبات: ما يبعث في النفس الراحة والاطمئنان، وكذلك في عالم الحيوان ليس من نوع مما يسير، أو يطير، أو يزحف، أو يسبح، إلا والجمال صبغته وطينته: في حركته، وألوانه، وسلوكه، وأشكاله.
وأما جمال الإنسان - الذكر والأنثى - فهو من أبدع ما في الكون هيئة وطبيعة، روحاً ونفساً، إلا أن جماله الظاهر والباطن مرتبط بإرادته - إلى حد كبير - فهو مأمور برعاية ظاهره بالطهارة وحسن المظهر وصحة البدن، وتفقُّد باطنه بالتربية والتهذيب وصحة المعتقد.